(رِيحُهَا طَيِّبٌ، وَطَعْمُهَا طَيِّبٌ) قيل: خص صفة الإيمان بالطعم، وصفة التلاوة بالريح؛ لأن الإيمان ألزم للمؤمن من القرآن؛ إذ يمكن حصول الإيمان بدون القراءة، وكذلك الطعم ألزم للجوهر من الريح، فقد يذهب ريح الجوهر، ويبقى طعمه.
ثم قيل: الحكمة في تخصيص الأترجّة بالتمثيل، دون غيرها من الفاكهة، التي تجمع طيب الطعم والريح، كالتفاحة لأنه يُتَدَاوى بقشرها، وهو مفرِّحٌ بالخاصية، ويُستخرج من حَبّها دُهن له منافع.
وقيل: إن الجنّ لا تقرب البيت الذي فيه الأترج، فناسب أن يُمَثَّل به القرآن، الذي لا تقربه الشياطين، وغلاف حَبّه أبيض، فيناسب قلب المؤمن، وفيها أيضا من المزايا، كبر جرمها، وحسن منظرها، وتفريح لونها، ولين ملمسها، وفي أكلها مع الالتذاذ طيب نكهة، ودباغ مَعِدة، وجَودة هضم، ولها منافع أخرى، مذكورة في "المفردات".
وقال المظهر -رَحِمَهُ اللَّهُ-: المؤمن الذي يقرأ القرآن هكذا من حيث الإيمان في قلبه ثابتٌ، طيّب الباطن، ومن حيث إنه يقرأ القرآن، ويستريح الناس بصوته، ويُثابون بالاستماع إليه، ويتعلّمون منه مثلُ الأترجّة، يستريح الناس برائحتها.
وقال التوربشتيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: الْمَثَلُ عبارة عن المشابهة بغيره في معنى من المعاني؛ لإدناء المتوهّم عن المشاهَد، وكان النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يُخاطب بذلك العرب، ويُحاورهم، ولم يكن ليأتي في الأمثال بما لم تشاهده، فيجعلَ ما أورده للتبيان مزيدًا للإبهام، بل يأتيهم بما شاهدوه، وعرفوه؛ ليبلغ ما انتحاه من كشف الغطاء، ورفع الحجاب، ولم يوجد فيما أخرجته الأرض من بركات السماء، لا سيما من الثمار الشجريّة التي آنستها العرب في بلادهم أبلغ في هذا المعنى من الأترجّة، بل هي أفضل ما يوجد من الثمار في سائر البلدان الأخرى، وأجدى؛ لأسباب كثيرة جامعة للصفات المطلوبة منها، والخواصّ الموجودة فيها، فمن ذلك كبر جِرْمها، وحسن منظرها، وطيب مطعمها، ولين ملمسها، وذكاء أَرَجها، تملأ الأكفّ بكبر جِرْمها، وتكسيها لينًا، وتُفعم الخياشيم طيبًا، وتأخذ بالأبصار صبغةً ولوثًا، فاقعٌ لونها تسرّ الناظرين، تتوق إليها النفس قبل التناول، تفيد آكلها بعد الالتذاذ بذواقها طيب نكهة، ودباغ معدة، وقوّة هضم،