للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

باليد، وهو الجسّ، قال الفيّوميّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: غَمَزَه غَمْزًا، من باب ضَرَبَ: أشار إليه بعين، أو حاجب، وليس فيه غَمِيزَةٌ، ولا مَغْمَزٌ: أي: عَيْبٌ، وغَمَزْتُهُ بيدي، من قولهم: غَمَزتُ الكبش بيدي: إذا جسسته؛ لتعرف سِمَنَهُ. انتهى (١).

(فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَرَأَيْتُ دُمُوعَهُ تَسِيلُ) وفي رواية البخاريّ: "فقرأت عليه سورة النساء، حتى بلغت {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (٤١) قال: "أَمْسِكْ"، فإذا عيناه تَذْرِفان"، وفي رواية له: "قال: حسبك الآن، فالتفتُّ، إليه فإذا عيناه تَذْرِفان".

ومعنى "تَذْرفان" أي: تُطلِقان دمعهما.

قال ابن بطال -رَحِمَهُ اللَّهُ-: إنما بَكَى -صلى اللَّه عليه وسلم- عند تلاوته هذه الآية؛ لأنه مَثَّل لنفسه أهوال يوم القيامة، وشِدَّة الحال الداعية له إلى شهادته لأمته بالتصديق، وسؤاله الشفاعة لأهل الموقف، وهو أمرٌ يَحِقّ له طول البكاء. انتهى.

وقال الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: الذي يظهر أنه بَكَى رحمةً لأمته؛ لأنه عَلِمَ أنه لا بُدّ أن يشهد عليهم بعَمَلهم، وعَمَلُهُم قد لا يكون مُستقيمًا، فقد يفضي إلى تعذيبهم، واللَّه أعلم. انتهى.

قال الجامع عفا اللَّه عنه: لا تنافي بين ما ذكره ابن بطّال -رَحِمَهُ اللَّهُ- من أسباب البكاء، وبين ما استظهره الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ-، فالأولى أن المجموع أسباب للبكاء، فتأمّل، واللَّه تعالى أعلم.

وقال في "المرعاة": بكاؤه -صلى اللَّه عليه وسلم- لفرط رحمته على الْمُفَرِّطين، أو لعظم ما تضمّنته الآية من هول المطلع، وشدّة الأمر.

وقيل: إن هذا البكاء بكاء فَرَح، لا بكاء جَزَعٍ؛ لأنه تعالى جعل أمته شُهداء على سائر الأمم، كما قال الشاعر [من الكامل]:

طَفَحَ السُّرُورُ عَلَيَّ حَتَّى إِنَّهُ … مِنْ عُظْمِ مَا قَدْ سَرَّنِي أَبْكَانِي (٢)

قال الجامع عفا اللَّه عنه: كون هذا البكاء من نوع بكاء الفرح مما لا يخفى بعده، فالحقّ أنه بكاء خوف وشفقة، كما أسلفناه آنفًا، فتبصّر، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.


(١) "المصباح المنير" ٢/ ٤٥٣.
(٢) راجع: "المرعاة" ٧/ ٢٧٢.