للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال في "المصباح": وزَهَرَ الشيءُ يَزْهَرُ بفتحتين: صفا لونه وأضاء، وقد يُستعمل في اللون الأبيض خاصّةً، وزَهِرَ الرجل، من باب تَعِبَ: ابيَضَّ، فهو أزهر. انتهى (١).

فكأنهما بالنسبة إلى ما عداهما من السور كنسبة القمرين إلى سائر الكواكب، ولا شكّ أن نور كلام اللَّه أشدّ وأكثر ضياء من جميع الأنوار الكونيّة، وكلّ سورة من سُوَر القرآن زهراء؛ لما فيها من نور بيان الأحكام والمواعظ وغير ذلك من الفوائد، ولما فيها من شفاء الصدور وتنوير القلوب، وتكثير الأجر لقارئها، إلا أن النور الذي في هاتين السورتين أشدّ وأقوى، واللَّه تعالى أعلم.

وقوله: (الْبَقَرَةَ، وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ) بالنصب على البدليّة، أو بتقدير "أعني"، ويجوز رفعهما، وسُمّيتا زهراوين؛ لكثرة أنوار الأحكام الشرعيّة، والأسماء الحسنى الإلهيّة فيهما، وذكر السورة في الثانية دون الأولى إشارة إلى بيان جواز كل منهما (فَإِنَّهُمَا) أي السورتان، وقيل: ثوابهما الذي استحقّه التالي لهما العامل بهما، والأول هو الصواب، فإنهما يتصوّران، ويتشكّلان، ويتجسّدان على الحقيقة على ما أسلفناه (تَأْتِيَانِ) أي تحضران (يَوْمَ الْقِيَامَةِ، كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ) بفتح الغين المعجمة، وتخفيف الميم: أي سحابتان تظلّان صاحبهما عن حرّ الموقف، وإنما سُمّي غَمَامًا؛ لأنه يَغُمّ السماء، أي يسترها (أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ) تثنية غَيَاية، بفتح الغين المعجمة، وتخفيف الياءين من تحتُ، وهي كل شيء أظلّ الإنسان فوق رأسه، من سحابة، أو غَبَرَة، أو غيرهما، قاله الجزريُّ.

وقال المناويُّ: هي ما أظلّ الإنسان فوقه، وأراد به ما له صفاء وضوء؛ إذ الغياية ضوء شُعاع الشمس.

وقال القاري -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قيل: الغمامة ما يغُمّ الضوء، ويمحوه؛ لشدّة كثافته، والغياية ما يكون أدون من الغمامة في الكثافة، وأقرب إلى رأس صاحبه، كما يُفعل بالملوك، فيحصُل عنده الظلّ والضوء جميعًا.


(١) "المصباح المنير" ١/ ٢٥٨.