وقال الحفنيُّ:"غيايتان": أي لهما نورٌ وضياء زيادةً على حصول الاستظلال بهما فهو أبلغ مما قبله؛ لأن غايته إنهما يُظلّان كالسحابتين، وليس فيهما نور. انتهى.
(أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ) تثنية فِرْق -بكسر الفاء، وسكون الراء-: أي قَطِيعان، يعني طائفتان وجماعتان (مِنْ طَيْرٍ) جمع طائر (صَوَافَّ) جمع صافّة، وهي الجماعة الواقفة على الصفّ، تقول: صَفَفْتُ القومَ: إذا أقمتهم في الحرب وغيرها على خطّ مستوٍ، وَصَفّت الإبل قوائمها: أي وضعتها صفًّا، فهي صافّةٌ، وصوافُّ، وصفّ الطائر جناحيه: أي بسطهما، ولم يُحرِّكهما.
والمعنى: باسطات أجنحتها متّصلًا بعضها ببعض، بحيث لا يكون بينها فرجة، والمراد أنهما يقيان قارئهما من حرّ الموقف، وكَرْب يوم القيامة، وليست "أو" للشكّ، ولا للتخيير في تشبيه السورتين، ولا للترديد، بل للتنويع، وتقسيم القارئين، فالأول لمن يقرؤهما، ولا يفهم المعنى، والثاني للجامع بين التلاوة ودراية المعنى، والثالث لمن ضمّ إليهما التعليم والإرشاد.
وقال الطيبيُّ:"اقرءوا الزهراوين" الزهراء تأنيث الأزهر، وهو المضيء، ويقال للنيّرين: الأزهران، مَثَّلَ حِرَاسة السورة إياه، وخلاصه ببركتهما عن حرّ الموقف، وكرب القيامة بإظلال أحد هذه الأشياء الثلاثة.
و"الغمامة": السحابة، و"الغيايةُ": كلُّ شيء أظلّ الإنسان فوق رأسه، مثلُ السحابة وغيرها، يقال: غياي القوم فوق رأس فلان بالسيف، كأنهم أظلّوه، كذا في "الغريبين"، و"الْفِرْقَان": القطعتان، والْفِرْق، والفريق، والْفِرْقة: القطعة، و"الصّوَافُّ": الباسطات أجنحتها متّصلًا بعضها ببعض، جمع صافّة.
وقال البغويُّ في "شرح السنّة": "أو" في الحديث للتنويع لا لشكّ الراوي؛ لاتّساق الروايات كلِّها على هذا الوجه، قالوا: الأول لمن يقرؤهما ولا يفهم معناهما، والثاني لمن وُفّق للجمع بين تلاوة اللفظ دراية المعنى، والثالث لمن ضمّ إليهما تعليم المستعدّين، وبيان حقائقهما لهم، لا جَرَمَ تتمثّل له يوم القيامة مساعيه طُيُورًا صَوَافّ يحرسونه ويُحاجّون عنه. انتهى.
قال الطيبيُّ: وإذا تحقّق التفاوت في المشبّهات يلزم التفاوت في المشبّه بها، فالتظليل بالغمامة دون التظليل بالغياية، فإن الأول عامّ في كلّ أحد،