للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والثاني مختصّ بمثل الملوك، والثالث مختصّ بمن دعا بقوله: {وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} الآية [ص: ٣٥]، ثم في هذا التشبيه من الغرابة أن شبّههما أوّلًا بالنيّرين في الإشراق، وسطوع النور، وثانيًا بالغمامة والغياية، وبما يُنبئ عما يخالف النور من الظلّ والسواد، كما في الحديث الذي يلي هذا الحديث: "أو ظُلّتان سَوْداوان"، فآذن بهما أن تينك المظلّتين على غير ما عليه المظلّة المتعارفة في الدنيا، فإنها وإن كانت لدفع كرب الحرّ عن صاحبها ولتكرمته، لكن لم تخلُ عن نوع كدورة وشائبة نَصَب، وتلك -رزقنا اللَّه منها- مبرّأةٌ عن ذلك؛ لكونها كالنيّرين في النور والإشراق، مسلوبتي الحرارة والكرب، وآذن بالتشبيه الثالث أنهما مع كونهما مشرقتين مشبّهتين بمظلّة نبيّ اللَّه، ثم بولغ فيه فزيد "تحاجّان"؛ ليُنبّه به على أن ذينك الفريقين من الطير على غير ما عليه طير نبيّ اللَّه من كونهما حامتين صاحبهما عما يسوؤه، شبّههما أوّلًا بالنيّرين؛ ليُنبّه على أن مكانهما مما عداهما مكان القمرين بين سائر النجوم فيما ينشعب منهما لذوي الأبصار، ثم أوقع قوله: "البقرة وآل عمران" بدلًا منهما مبالغة في الكشف والبيان، كما تقول: هل أدلّك على الأكرم الأفضل فلان، وهو أبلغ في وصفه بالكرم والفضل من قولك: هل أدلّك على فلان الأكرم الأفضل؛ لأنك ثَنَّيتَ ذِكْرَهُ مجملًا أوّلًا، ومفصّلًا ثانيًا، وأوقع البقرة وآل عمران تفسيرًا وإيضاحًا لـ "الزهراوين"، فجعلهما عَلَمين في الإشراق والإضاءة، ثم إن هذا البيان أخرج "الزهراوين" من الاستعارة إلى التشبيه، كقوله تعالى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} الآية [البقرة: ١٨٧]، وهو مع كونه تشبيهًا أبلغ من الاستعارة؛ لادّعاء أنه مفسّر مبيّن للمبهم. انتهى كلام الطيبيُّ (١).

(تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا) وفي بعض النسخ: "يُحاجّان" بالياء: أي تدافع السورتان عن قارئهما الجحيم والزبانية، أو تُجادلان، وتخاصمان الربّ عزَّ وجلَّ، وهو كناية عن المبالغة في الشفاعة، قاله القاري.

وقال التوربشتيّ: الأصل في الْمُحاجّة أن يطلُب كل واحد من


(١) "الكاشف عن حقائق السنن" ٥/ ١٦٤١ - ١٦٤٢.