المتخاصمين أن يردّ صاحبه عن حجّته ومَحَجّته، وأريد به ها هنا مُدافعة السورتين عن صاحبهما، والذّبّ عنه.
وقال الشوكانيّ:"يُحاجّان" أي يُقيمان الحجّة لصاحبهما، ويُجادلان عنه، وصاحبهما هو المستكثر من قراءتهما.
وظاهر الحديث أنهما يتجسّمان حتى تكونا كأحد هذه الأشياء الثلاثة التي شبّههما بها النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثم يُقدرهما اللَّه تعالى على النطق بالحجة، وذلك غير مستبعد من قدرة القادر القويّ الذي يقول للشيء {كُنْ فَيَكُونُ}. انتهى.
قال الجامع عفا اللَّه عنه: هذا الذي قاله الشوكانيُّ من كونهما يتصوّران حقيقة، هو الحقّ، وأما ما قاله النووي من أن المراد أن ثوابهما يأتي كغمامتين، ففيه نظر لا يخفى، فما الذي أدّاه إلى ترك ما دلّ عليه ظاهر النصّ؟، ومثله ما طوّل به القرطبيّ نفسه في "المفهم" مما لا ينبغي الالتفات إليه، فتنبّه.
والحاصل أن حمل ظواهر الكتاب والسنّة على ما يقتضيه ظاهرها إذا أمكن هو الحقّ، ولا يصار إلى التأويل إلا أن يأتي دليل يصرفها عن الظاهر، كما في الحديث الذي أخرجه الشيخان عن ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- قال: لَمّا نزلت {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ}[الأنعام: ٨٢] الآية، فقد فهم الصحابة -رضي اللَّه عنهم- من الآية عموم الظلم، وأقرّهم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على فهمهم، ولكن بيّن لهم المراد هنا بأنه الشرك، فتبصّر، ولا تكن أسير التقليد، واللَّه تعالى الهادي إلى سواء السبيل.
(اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ) قال الطيبيُّ: هذا تخصيص بعد تخصيص، بعد تعميم، عَمّم أوّلًا بقوله:"اقرءوا القرآن"، وعلَّق به الشفاعة، ثم خَصّ الزهراوين، وأناط بهما التخليص من كرب حرّ يوم القيامة والمحاجّة عن أصحابهما، وأفرد ثالثًا "البقرة"، وضمّ إليها المعاني الثلاثة الآتية؛ إشارةً إلى أن لكل خاصّيّةً لا يَقِف عليها إلا صاحب الشرع. انتهى (١).
(فَإِنَّ أَخْذَهَا) أي المواظبة على تلاوتها، والتدبّر في معانيها، والعمل بما فيها (بَرَكَةٌ) أي زيادة ونماء، وقيل: أي منفعةٌ عظيمة (وَتَرْكَهَا) بالنصب،