للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(فَسَلَّمَ) ذلك الملك النازل على النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وعلى الحاضرين (وَقَالَ: أَبْشِرْ) بقطع الهمزة أمر من الإبشار رباعيًا (بِنُورَيْنِ أُوتِيتَهُمَا) بالبناء للمفعول، أي افَرحْ بسبب نورين أعطيتهما، قيل: سماهما نورين؛ لأن كلًّا منهما يكون لصاحبه نورًا يسعى أمامه، ولأنه يُرشَدُ، ويهتدي بالتأمّل فيهما إلى الطريق القويم، والمنهج المستقيم. انتهى (١).

وقال القرطبيُّ: قوله: "بنورين" أي بأمرين عظيمين نَيِّرين مبيِّنين لقارئهما، ومنوّرين له، وخُصّت "الفاتحة" بهذا؛ لتضمّنها جملة معاني الإيمان والإسلام والإحسان، فهي آخذة بأصول القواعد الدينيّة، والمعاقد المعارفيّة.

وخُصّت خواتيم سورة البقرة بذلك؛ لما تضمّنته من الثناء على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وعلى أصحابه -رضي اللَّه عنهم- بجميل انقيادهم لمقتضاها، وتسليمهم لمعناها، وابتهالهم إلى اللَّه تعالى، ورجوعهم إليه في جميع أمورهم، ولمَا حَصَل فيها من إجابة دعواتهم بعد أن عَلِموها، فخَفَّف عنهم، وغَفَرَ لهم، ونصرهم، وفيها غير ذلك مما يطول تتبّعه. انتهى (٢).

(لَمْ يُؤْتَهُمَا) بالبناء للمفعول أيضًا، أي لم يُعطهما (نَبِيٌّ قَبْلَكَ: فَاتِحَةِ الْكِتَابِ) بالجرّ بدل من "نورين"، ويَحْتَمل الرفع على أنه خبر لمحذوف، أي أحدهما فاتحة الكتاب، والنصب على أنه مفعول لفعل محذوف، أي أعني (وَخَوَاتِيمِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ) جمع خاتمة، أي أواخرها، وهي من قوله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ} إلى آخر السورة.

قال الجامع عفا اللَّه عنه: كذا قيل، وظاهر قوله: "وخواتيم سورة البقرة" بصيغة الجمع يقتضي أن يكون من قوله تعالى {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} الآيات الثلاث، وهذا هو الذي استظهره في "المرعاة" (٣)، واللَّه تعالى أعلم.

(لَنْ تَقْرَأَ بِحَرْفٍ) الباء للتعدية؛ لأن قرأ يتعدّى بنفسه، وبالباء، يقال: قرأت أمّ الكتاب، وبأم الكتاب، قاله الفيّوميُّ (٤).


(١) "الكاشف" ٥/ ١٦٤٧.
(٢) "المفهم" ٢/ ٤٣٤.
(٣) راجع: "المرعاة" ٧/ ١٩٧.
(٤) "المصباح المنير" ٢/ ٥٠٢.