للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال التوربشتيُّ: الباء زائدة، كقولك: أخذت بزمام الناقة، وأخذت زمامها، وأراد بالحرف -واللَّه أعلم- الطَّرَف منها، فإن حرف الشيء طرفه، وكَنَى به عن كل جملة مستقلّة بنفسها، أي أعطيت ما اشتَمَلت عليه تلك الجملة من المسألة، كقوله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) وكقوله: {غُفْرَانَكَ رَبَّنَا}، وقوله: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا}، وكقوله: {رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا}، ونظائره. انتهى (١).

(مِنْهُمَا) أي من فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، قال السنديّ: أي مما فيه من الدعاء (إِلَّا أُعْطِيتَهُ") أي أُعطيت مقتضاه، من العون، والهداية إلى الصراط المستقيم، في الفاتحة، ومن المغفرة، وعدم المؤاخذة في النسيان، والخطأ، وعدم تحميل الإصر، وما لا يطاق، والعفو، والرحمة، والنصر على الكفار، في خواتيم سورة البقرة.

وقال الطيبيُّ: قوله: "إلا أعطيته" حال، والمستثنى منه مقدّر، أي مستعينًا بهما على قضاء ما يَسْنَح من الحوائج كما يفعله الناس إلا أُعطيته، أو يُقدّر صفةً، أي لم تقرأ حرفًا منهما مشتملًا على دعاء وسؤال إلا أُعطيته، أما الحمد والثناء والتمجيد فيُعطى ثوابها، وأما الدعاء والسؤال، فيُسعَفُ بمطلوبه، ويُستجاب، فيوافق هذا التأويل حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- مرفوعًا: "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل".

وتحرير معنى الدعاء في الفاتحة هو أن المطلوب فيها الهداية المشتملة على النعمة المطلقة، فيتناول نعمة الدارين، ظاهرها وباطنها، جليلها ودقيقها، حتى لا يشذّ منها شيء، وعلى التوقّي من غضب اللَّه وسخطه مطلقًا، دنيا وعُقبى، ومن جميع الأخلاق الذميمة، والضلالات المتنوّعة، وما يعوجه عن الطريق المستقيم، وعلى هذا خاتمة سورة البقرة، فإن قوله: {آمَنَ الرَّسُولُ} إلى قوله: {قَالُوا سَمِعْنَا} اشتَمَل على معنى التصديق والاعتقاد، ومنه إلى قوله: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا} على بيان الانقياد بالسمع والطاعة لما أمر اللَّه تعالى به، ونهى عنه، ومنه إلى آخره على الدعاء الجامع لفلاح الدارين، والفوز


(١) "الكاشف" ٥/ ١٦٤٧.