للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بعضهم، و"الْهِدْمُ" بكسر الهاء، وسكون الدال، وهو من بني عمرو بن عوف، سُكّان قباء، وعليه نزل النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- حين قدم في الهجرة إلى قباء.

قيل: وفي تعيين المبهم به هنا نظرٌ؛ لأن في حديث عائشة -رضي اللَّه عنها- في هذه القصة أنه كان أمير سرية، وكلثوم بن الهدم مات في أوائل ما قدم النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- المدينة فيما ذكره الطبريّ وغيره من أصحاب المغازي، وذلك قبل أن يبعث السرايا، ثم رأيت بخط بعض من تكلم على رجال "العمدة": كلثوم بن زَهْدَم، وعزاه لابن منده، لكن رأيت أنا بخط الحافظ رشيد الدين العطار، في حواشي "مبهمات الخطيب" نقلًا عن "صفة التصوف" لابن طاهر: أخبرنا عبد الوهاب بن أبي عبد اللَّه بن منده، عن أبيه، فسماه كُرز بن زهدم، فاللَّه أعلم.

وعلى هذا فالذي كان يؤم في مسجد قباء غير أمير السرية، ويدلّ على تغايرهما أن في رواية الباب أنه كان يبدأ بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١)}، وأمير السرية كان يختم بها، وفي هذا أنه كان يصنع ذلك في كل ركعة، ولم يصرح بذلك في قصة الآخر، وفي هذا أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- سأله، وأمير السرية أمر أصحابه أن يسألوه، وفي هذا أنه قال: إنه يحبها، فبَشَّره بالجنة، وأمير السرية قال: إنها صفة الرحمن، فبشره بأن اللَّه يحبه، والجمع بين هذا التغاير كله ممكن، لولا ما تقدم من كون كلثوم بن الهدم مات قبل البعوث والسرايا.

وأما من فسره بأنه قتادة بن النعمان فأبعد جدًّا، فإن في قصة قتادة أنه كان يقرؤها في الليل يرددها، ليس فيه أنه أَمَّ بها، لا في سفر ولا في حضر، ولا أنه سئل عن ذلك، ولا بُشِّرَ. انتهى (١).

(عَلَى سَرِيَّةٍ) أي جعله أميرًا عليها، فقوله: "على سريّة" متعلّق بـ "بعَثَ"، ولا يتعلّق بصفةٍ لـ "رجلًا" كما لا يخفى، ولا بحال منه؛ لأنه بكرةٌ، وإنما لم يقل: "في سريّة"؛ لأن "على" تفيد معنى الاستعلاء.

و"السَّريِة": القِطعَةُ من الجيش، وهي فَعِيلَةٌ بمعنى فاعلة، سُمّيت بذلك؛ لأنها تَسْرِي في خُفْيَة، والجمع سَرَايا، وسَرِيَّات، مثل عَطِيَّة وَعطَايَا، وعَطِيَّات (٢).


(١) "الفتح" ٢/ ٣٠١ - ٣٠٢ "كتاب الأذان" رقم (٧٧٤).
(٢) "المصباح" ١/ ٢٧٥.