أشرقت له الظلمات"، إسناده قابل للتحسين، وما استعاذ به النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- غير مخلوق، فإنه لا يستعيذ إلا باللَّه، أو صفة من صفاته.
وجاءت الاستعاذة في هاتين السورتين باسم الربّ والملك والإله، وجاءت الربوبية فيها مضافة إلى الفَلَق، وإلى الناس، ولا بدّ من أن يكون ما وصف به نفسه في هاتين السورتين يناسب الاستعاذة المطلوبة، ويقتضي دفع الشر المستعاذ منه أعظم مناسبة وأبينها، وقد قرَّرنا في مواضع متعددة أن اللَّه عزَّ وجلَّ يُدْعَى بأسمائه الحسنى، فيسأل لكل مطلوب باسم يناسبه ويقتضيه.
وقد قال النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في هاتين السورتين: إنه ما تعوذ المتعوذون بمثلهما، فلا بدّ أن يكون الاسم المستعاذ به مقتضيًا للمطلوب، وهو دفع الشرّ المستعاذ منه، أو رفعه، وإنما يتقرر هذا بالكلام في الفصل الثالث، وهو الشيء المستعاذ منه، فتتبين المناسبة المذكورة، فنقول:
[الفصل الثالث]: في أنواع الشرور المستعاذ منها في هاتين السورتين، الشر الذي يصيب العبد لا يخلو من قسمين: إما ذنوب وقعت منه، يعاقب عليها، فيكون وقوع ذلك بفعله وقصده وسعيه، ويكون هذا الشرّ هو الذنوب وموجباتها، وهو أعظم الشرّين وأدومهما، وأشدّهما اتصالًا بصاحبه، وإما شر واقع به من غيره، وذلك الغير إما مكلف، أو غير مكلف، والمكلف إما نظيره، وهو الإنسان، أو ليس نظيره، وهو الجنيّ، وغير المكلف مثل الهوامّ، وذوات الْحُمَّى، وغيرها.
فتضمنت هاتان السورتان الاستعاذة من هذه الشرور كلها، بأوجز لفظ وأجمعه وأدله على المراد وأعمه استعاذةً، بحيث لم يبق شرّ من الشرور إلا دخل تحت الشر المستعاذ منه فيهما.
فإن سورة الفلق تضمنت الاستعاذة من أمور أربعة: أحدها: شر المخلوقات التي لها شرّ عمومًا، الثاني: شر الغاسق إذا وقب، الثالث: شر النفاثات في العقد، الرابع: شر الحاسد إذا حسد، فنتكلم على هذه الشرور الأربعة ومواقعها واتصالها بالعبد، والتحرز منها قبل وقوعها، وبماذا تُدفع بعد وقوعها.