"أَرْسِلْهُ) أي أطلقه من تلبيبك له، وإنما أمره بالإرسال؛ ليتمكّن من القراءة (اقْرَأْ") أي قال عليه السلام لهشام: "اقرأ" بوصل الهمزة؛ لأنه ثلاثيّ، فعل أمر من قرأ يقرأ، كفتح يفتح، أمره بالقراءة؛ ليسمع ما ادُّعي عليه إفساده، ليتّضح ذلك (فَقَرَأَ الْقِرَاءَةَ الَّتِي سَمِعْتُهُ يَقْرَأُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هَكَذَا أُنْزِلَتْ") بالبناء للمفعول، أي أنزلها اللَّه تعالى عليّ مثل ما قرأها هشام (ثُمَّ قَالَ) -صلى اللَّه عليه وسلم- (لِي:"اقْرَأْ") وفي رواية البخاريّ: "ثم قال: اقرأ يا عمر"، أمره بالقراءة؛ لتجويز الغلط عليه، أو ليبيّن أن كل واحدة من القراءتين جائزة، كما صوّبه بقوله لكلّ منهما:"هكذا أُنزلت"(فَقَرَأْتُ) وللبخاريّ: "فقرأت القراءة التي أقرأني"(فَقَالَ) -صلى اللَّه عليه وسلم- ("هَكَذَا) أي مثل قراءتك هذه (أُنْزِلَتْ) بالبناء للمفعول أيضًا (إِنَّ) بكسر الهمزة؛ لوقوعها في موضع الاستئناف، وهو استئناف بيانيّ، وهو ما وقع جوابًا عن سؤل مقدّر، فكأنه قيل له: ما وجه قولك في هاتين القراءتين: هكذا أُنزلت؟، فأجاب بقوله:(إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ) بالبناء للمفعول (عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ) أي على سبعة أوجه، يجوز أن يُقْرَأ بكل وجه منها، وليس المراد أن كل كلمة، ولا جملة منه تُقرأ على سبعة أوجه، بل المراد أن غاية ما انتهى إليه عدد القراءات في الكلمة الواحدة إلى سبعة.
[فإن قيل]: فإنا نَجِد بعض الكلمات يُقرأ على أكثر من سبعة أوجه.
[فالجواب]: أن غالب ذلك إما لا يثبت الزيادة، وإما أن يكون من قبيل الاختلاف في كيفية الأداء، كما في المدّ، والإمالة، ونحوهما.
وقيل: ليس المراد بالسبعة حقيقةُ العدد، بل المراد التسهيل والتيسير، ولفظ السبعة يُطْلَق على إرادة الكثرة في الآحاد، كما يُطلق السبعون في العشرات، والسبعمائة في المئين، ولا يراد العدد المعين، وإلى هذا جَنَحَ عياض، ومن تبعه.
وذكر القرطبيّ عن ابن حبان أنه بلغ الاختلاف في معنى الأحرف السبعة إلى خمسة وثلاثين قولًا، ولم يذكر القرطبيّ منها سوى خمسة.
وقال المنذريّ: أكثرها غير مختار، قال الحافظ: ولم أقف على كلام ابن حبان في هذا بعد تتبعي مظانه من "صحيحه"، وسأذكر ما انتهى إليّ من