ورَوَى وَرْقَاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس، عن أبي بن كعب أنه كان يقرأ:{لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا}[الحديد: ١٣]"للذين آمنوا أمهلونا"، "للذين آمنوا أخرونا"، "للذين آمنوا ارقُبُونا".
وبهذا الإسناد عن أبي أنه كان يقرأ:{كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ}[البقرة: ٢٠]"مرُّوا فيه"، "سَعَوْا فيه".
وفي "الصحيحين": قال الزهريّ: إنما هذه الأحرف في الأمر الواحد ليس يختلف في حلال، ولا حرام.
قال الطحاويّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: إنما كانت السعة للناس في الحروف؛ لعجزهم عن أخذ القرآن على غير لغاتهم؛ لأنهم كانوا أميين، لا يكتب إلا القليل منهم، فلما كان يشق على كل ذي لغة أن يتحول إلى غيرها من اللغات، ولو رام ذلك لم يتهيأ له إلا بمشقة عظيمة، فوُسِّع لهم في اختلاف الألفاظ، إذا كان المعنى متفقًا، فكانوا كذلك حتى كثر منهم من يكتب، وعادت لغاتهم إلى لسان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقدروا بذلك على تحفظ ألفاظه، فلم يسعهم حينئذ أن يقرؤوا بخلافها.
قال ابن عبد البرُّ: فبان بهذا أن تلك السبعة الأحرف إنما كان في وقت خاصّ لضرورة دَعَت إلى ذلك، ثم ارتفعت تلك الضرورة، فارتفع حكم هذه السبعة الأحرف وعاد ما يقرأ به القرآن على حرف واحد.
قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: هذا الذي قاله الطحاويّ، وابن عبد البر بعيد من الصواب؛ لأنه يستلزم النسخ لحديث:"أنزل القرآن على سبعة أحرف"، فتبصّر، واللَّه تعالى أعلم.
روى أبو داود عن أبي بن كعب -رضي اللَّه عنه-، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يا أبيّ إني أُقرِئت القرآن، فقيل لي: على حرف، أو حرفين؟، فقال الملك الذي معي: قل: على حرفين، فقيل لي: على حرفين، أو ثلاثة؟، فقال الملك الذي معي: قل: على ثلاثة، حتى بلغ سبعة أحرف، ثم قال: ليس منها إلا شافٍ، كافٍ، إن قلت: سميعًا عليمًا، عزيزًا حكيمًا، ما لم تخلط آية عذاب برحمة، أو آية رحمة بعذاب"، حديث صحيح.