للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أن يكتبوا المصاحف: ما اختلفتم أنتم وزيد، فاكتبوه بلغة قريش، فإنه نزل بلغتهم، ذكره البخاريُّ.

وذكر حديث ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-، قال: نزل القرآن بلغة الكعبين، كعب قريش، وكعب خُزَاعَة، قيل: وكيف ذلك؟ قال: لأن الدار واحدة، قال أبو عبيد: يعني أن خزاعة جيران قريش، فأخذوا بلغتهم.

قال القاضي ابن الطيب: معنى قول عثمان -رضي اللَّه عنه-: فإنه نزل بلسان قريش، يريد معظمه وأكثره، ولم تقم دلالة قاطعة على أن القرآن بأسره مُنزل بلغة قريش فقط؛ إذ فيه كلمات، وحروف هي خلاف قريش، وقد قال اللَّه تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [الزخرف: ٣]، ولم يقل: قرشيًا، وهذا يدلّ على أنه منزل بجميع لسان العرب، وليس لأحد أن يقول: إنه أراد قريشًا من العرب دون غيرها، كما أنه ليس له أن يقول: أراد لغة عدنان، دون قحطان، أو ربيعة، دون مضر؛ لأن اسم العرب يتناول جميع هذه القبائل تناولًا واحدًا.

وقال ابن عبد البرِّ: قول من قال: إن القرآن نزل بلغة قريش معناه عندي: في الأغلب، واللَّه أعلم؛ لأن غير لغة قريش موجودة في صحيح القراءات، من تحقيق الهمزات ونحوها، وقريش لا تهمز.

وقال ابن عطية: معنى قول النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أنزل القرآن على سبعة أحرف"، أي فيه عبارة عن سبع قبائل، بلغة جملتها نزل القرآن، فيعبر عن المعنى فيه مرة بعبارة قريش، ومرة بعبارة هُذيل، ومرة بغير ذلك، بحسب الأفصح والأوجز في اللفظ.

ألا ترى أن "فطر" معناه عند غير قريش: ابتدأ خلق الشيء، وعمله، فجاءت في القرآن، فلم تَتَّجِهْ لابن عباس، حتى اختصم إليه أعرابيان في بئر، فقال أحدهما: أنا فَطَرتها، قال ابن عباس: ففهمت حينئذ موضع قوله تعالى: {فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [فاطر: ١].

وقال أيضًا: ما كنت أدري معنى قوله تعالى: {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ} [الأعراف: ٨٩] حتى سمعت بنت ذي يزن تقول لزوجها: تعال أفاتِحْك؛ أي أحاكمك.