للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال النوويُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: معناه إن الرجل أخبر بكثرة حفظه وإتقانه، فقال ابن مسعود: تَهُذُّه هَذًّا، وهو بتشديد الذال، وهو شِدّة الإسراع والإفراط في العَجَلَة، ففيه النهي عن الْهَذّ، والحثُّ على الترتيل والتدبر، وبه قال جمهور العلماء، قال القاضي: وأباحت طائفةٌ قليلةٌ الْهَذَّ. انتهى.

وقوله: (كَهَذِّ الشِّعْرِ) معناه: في تحفّظه وروايته، لا في إسناده وترنّمه؛ لأنه يرتّل في الإنشاد والترنّم في العادة، قاله النوويُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-.

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هذا إنكار منه على من يُسرع في قراءته، ولا يُرتّل، ولا يتدبّر، ونصب "هَذًّا" على المصدر، كأنه قال: أتَهُذُّ هَذًّا، وهَذُّ الشِّعر: الاسترسال في إنشاده من غير تدبّر في معانيه، ومعنى هذا أن الشعر هو الذي إن فَعَل الإنسان فيه ذلك سُوِّغ له، وأما في القرآن فلا ينبغي مثل ذلك فيه، بل يقرأ بترتيل وتدبّر، ولذلك قال: (إِنَّ أقوَامًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ) هذا اقتباس من حديث الخوارج حيث قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يجاوز حناجرهم"، متّفقٌ عليه، وهو كناية عن عدم الفهم؛ أي: لا يجاوز القرآن تراقيهم؛ لِيَصِلَ إلى قلوبهم، فليس حظّهم منه إلا مروره على ألسنتهم.

و"التراقي": جمع تَرْقُوَة، وهي عظام أعالي الصدر (١)، وقال في "المصباح": التَّرْقُوة وزنها فَعْلُوَةٌ بفتح الفاء، وضمّ اللام، وهي العظم الذي بين ثُغْرَة النَّحْر والعاتق من الجانبين، قال بعضهم: ولا تكون التَّرْقُوة لشيء من الحيوانات إلا للإنسان خاصّةً. انتهى (٢).

(وَلَكِنْ إِذَا وَقَعَ فِي الْقَلْبِ، فَرَسَخَ فِيهِ نَفَعَ) قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: معناه أن قومًا ليس حظهم من القرآن إلا مروره على اللسان، فلا يجاوز تراقيهم؛ ليصل قلوبهم، وليس ذلك هو المطلوب، بل المطلوب تعقُّله وتدبره بوقوعه في القلب. انتهى.

(إِنَّ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ) هذا مذهب ابن مسعود -رضي اللَّه عنه-، وقد سبق في قول النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أفضل الصلاة طول القنوت"، وفي قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد"، بيان مذاهب العلماء في هذه المسألة، وأن


(١) "المفهم" ٢/ ٤٥٤.
(٢) راجع: "المصباح المنير" ١/ ٧٤.