للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فجيء بهما، تَرْعَدُ فرائصهما، قال: "ما منعكما أن تصليا معنا؟ " فقالا: يا رسول اللَّه إنا قد كنا صلينا في رحالنا، قال: "فلا تفعلا، فإذا صليتما في رحالكما، ثم أتيتما مسجد جماعة، فصليا معهم، فإنها لكما نافلة"، رواه أبو داود، والترمذيّ، والنسائيّ، وغيرهم، قال الترمذيّ: حديث حسن صحيح. انتهى (١).

أقول: ففي هذا الحديث إباحة النافلة بعد الصبح؛ لما ذكرنا.

قال الإمام ابن حبان -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "صحيحه": أخبرنا محمد بن إسحاق بن خزيمة، ووصيف بن عبد اللَّه الحافظ بـ "أنطاكية"، قالا: حدثنا الربيع بن سليمان، قال: حدثنا أسد بن موسى، قال: حدثنا الليث بن سعد، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن أبيه، عن جدّه قيس بن قهد "أنه صلى مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الصبح، ولم يكن ركع ركعتي الفجر، فلما سلّم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، قام يركع ركعتي الفجر، ورسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ينظر إليه، فلم ينكر ذلك عليه". انتهى (٢).

أقول: هذا إسناد صحيح.

وكذا ما ورد في تحية المسجد يوم الجمعة، والإمام يخطب، مع أن الوقت وقت استماع، للخطبة، ففي رواية الشيخين من حديث جابر -رضي اللَّه عنه- مرفوعًا: "إذا جاء أحدكم يوم الجمعة، وقد خرج الإمام، فليصلّ ركعتين"، وفي رواية مسلم: "إذا جاء أحدكم يوم الجمعة، والإمام يخطب، فليركع ركعتين، وليتجوّز فيهما".

فأمرُه -صلى اللَّه عليه وسلم- الداخل حال الخطبة بصلاة ركعتين، والتجوّز فيهما يدل على أن تحية المسجد تجوز، وإن كان الوقت وقت استماع الخطبة، ومثله الأوقات المذكورة، واللَّه -تعالى- أعلم.

وأما استثناء الصلاة بعد العصر، والشمسُ مرتفعة، فلحديث عليّ -رضي اللَّه عنه- قال: "نَهَى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الصلاة بعد العصر، إلَّا أن تكون الشمس بيضاءَ نَقِيَّة مرتفعة"، وهو حديث صحيح، أخرجه أبو داود، والنسائيّ بإسناد صحيح.

والحاصل أن أقوى المذاهب في هذه المسألة مذهب من قال: إن ذوات


(١) راجع: "المجموع" ٤/ ١٧١ - ١٧٢.
(٢) "صحيح ابن حبان" ٢/ ٤٩.