للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ذلك الرجل (فَإِذَا) هي الْفُجائيّة؛ أي: ففاجأني وجود (رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-) حال كونه (مُسْتَخْفِيًا) أي: متواريًا، ومستترًا عن المشركين؛ لئلا يُلحقوا عليه ضررًا (جُرَءَاءُ عَلَيْهِ قَوْمُهُ) قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هكذا هو في جميع الأصول "جُرَآء" بالجيم المضمومة، جمع جَرِيء بالهمز من الجرأة، وهي الإقدام والتسلّط، وهذا هو سرّ استخفائه.

وذكره الحميديّ في "الجمع بين الصحيحين" "حِرَاء" بالحاء المهملة المكسورة، ومعناه: غِضَابٌ، ذوو غَمّ قد عِيل صبرهم به حتى أَثَّر في أجسامهم، من قولهم: حَرَى جسمه يَحْرِي، كضرب يضرب: إذا نَقَصَ من ألم وغيره، والصحيح أنه بالجيم. انتهى.

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: "جُرآء عليه قومه" أي: يجترئون عليه، من الْجُرْأة، وهو مرفوعٌ على أنه خبر مقدّمٌ، و"قومه" مبتدأ مؤخَرٌ، على مذهب البصريين. انتهى (١).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: الأفصح في إعراب قوله: "جرآءُ عليه قومه" أن يكون "جرآء" خبرًا مقدّمًا، و"قومه" مبتدأ مؤخّرًا، وإليه أشار ابن مالك -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "الخلاصة" حيث قال:

وَالثَّانِ مُبْتَدًا وَذَا الْوَصْفُ خَبَرْ … إِنْ فِي سِوَى الإِفْرَادِ طِبْقًا اسْتَقَرْ

ويجوز أن يكون "جرآءُ" مبتدأً، و"قومه" فاعلًا أغنى عن الخبر على لغة "أكلوني البراغيث"، وهذا الوجه ممنوع عند البصريين؛ لأنه لَمْ يتقدّمه نفي، ولا استفهام، وأجازه الكوفيّون والأخفش، مستدلّين بقول الشاعر [من الوافر]:

فَخَيْرٌ نَحْنُ عِنْدَ النَّاسِ مِنْكُمْ … إِذَا الدَّاعِي الْمُثَوِّبُ قَالَ يَا لَا

وقوله: [من الطويل]:

خَبِيرٌ بَنُو لِهْبٍ فَلَا تَكُ مُلْغِيًا … مَقَالَةَ لِهْبِيٍّ إِذَا الطَّيْرُ مَرَّتِ (٢)

والجملة في محلّ نصب على الحال من "رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-"، واللَّه تعالى أعلم.


(١) "المفهم" ٢/ ٤٦٥.
(٢) راجع: "شرح ابن عقيل مع حاشية الخضري" ١/ ١٢٥ - ١٢٦.