للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(فَتَلَطَّفْتُ) أي: ترفّقت، وتحيّلتُ في الدخول عليه (حَتَّى دَخَلْتُ عَلَيْهِ بمَكَّةَ، فَقُلْتُ لَهُ: مَا أَنْتَ؟) قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هكذا هو في الأصول: "ما أَنت؟ "، وإنما قال: "ما أنت"، ولم يقل: "من أنت؟ " (١)؛ لأنه سأله عن صفته، لا عن ذاته، والصفات مما لا يعقل. انتهى.

وقال الأبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ذكر ابن الحاجّ في نقده على "المقرب" عن سيبويه أن "ما" تقع على آحاد أولي العلم، مثل "من"، وعلى أنها للصفة، فيُحتجّ به للقول بأن النبوّة والرسالة مترادفان؛ لا أن النبوّة أعمّ؛ لأن "ما" يُسأل بها عن تمام الحقيقة، فلولا أنهما مترادفان لكان الجواب غير مفيد؛ لأن الأعمّ، وهي النبوّة لا إشعار لها بالأخصّ التي هي الرسالة، ويكون انتقاله إلى قوله: "رسول" من قبيل التعريف اللفظيّ، وهو تبديل لفظ بلفظ أشهر منه. انتهى كلام الأبيّ ببعض تصرّف (٢).

(قَالَ) -صلى اللَّه عليه وسلم-: ("أَنَا نَبِيٌّ"، فَقُلْتُ: وَمَا نَبِيٌّ؟) سؤال عن النبوّة، وهى من جنس ما لا يعقل؛ لأنَّها معنى من المعاني، قاله القرطبيّ، وهو محلّ نظر، فتأمل.

(قَالَ: "أَرْسَلَنِي اللَّهٌ" فَقُلْتُ: وَبِأَيِّ شَيْءٍ أَرْسَلَكَ؟ قَالَ: "أَرْسَلَنِي بِصِلَةِ الْأَرْحَامِ) في هذا دلالة ظاهرةٌ على الحثّ على صلة الأرحام؛ لأن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قرنها بالتوحيد، ولم يذكر له جزئيّات الأمور، وإنما ذكر له مهمّها، وبدأ بالصلة، قاله النوويّ (٣).

وقال الأبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: صحّ أن جواباته -صلى اللَّه عليه وسلم- كانت بحسب السائل، وبحسب الزمان والحال، فتخصيص صلة الرحم بالذكر يَحْتَمِلُ كونه لرعي حال العرب فيها، أو أن غيرها من الفرائض لَمْ يكن فُرِض. انتهى (٤).

(وَكَسْرِ الْأَوْثَانِ، وَأَنْ يُوَحَّدَ اللَّهُ، لَا يُشْرَكُ بِهِ شَيْءٌ") وفي نسخة: "وأن توحّد اللَّه، ولا تشرك به شيئًا" (قُلْتُ لَهُ: فَمَنْ مَعَكَ عَلَى هَذَا؟) أي: فمن تبعك على هذا الدين الذي أرسلك اللَّه تعالى به من الناس؟ (قَالَ): ("حُرٌّ وَعَبْدٌ")


(١) وقع في نسخة "المفهم" بلفظ: "من أنت".
(٢) "شرح الأبيّ " ٢/ ٤٣٨.
(٣) "شرح النوويّ" ٦/ ١١٥.
(٤) "شرح الأبيّ" ٢/ ٤٣٨.