في موضعك، ولذلك أجابه بقوله:"إنك لا تستطيع يومك هذا"، ولم يردّ عليه إسلامه، وإنما ردّ عليه كونه معه. انتهى (١).
(قَالَ) -صلى اللَّه عليه وسلم- ("إِنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ يَوْمَكَ هَذَا) أي: لقوّة شوكة المشركين، وضعف حال المسلمين، فأخاف عليك أن يلحقك منهم ضرر، واللَّه تعالى أعلم.
(أَلَا) أداة عرض (تَرَى حَالِي) من قلّة الأعوان (وَحَالَ النَّاسِ) من قُوّة شوكتهم، وشدّة عداوتهم (وَلَكِنِ ارْجِعْ إِلَى أَهْلِكَ) أي: ولكن قد حصل لك أجرك، فابقَ على إسلامك، وارجع إلى قومك، واستمرّ على الإسلام في موطنك حتى تعلم أني قد ظهرت على المشركين، وانتصرت عليهم، فعند ذلك فأتني، كما قال:(فَإِذَا سَمِعْتَ بِي قَدْ ظَهَرْتُ) أي: غلبت على المشركين، وانتشرت الدعوة في الأرض (فَأْتِنِي") وفيه علمٌ من أعلام النبوّة، ومعجزة من معجزات النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، حيث أخبر عمرو بن عبسة بأنه سيظهر على قومه الْجُرآء عليه، ويقهرهم، ويُخمِد نارهم، ويَظْهَر منتصرًا على أرض اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- جميعها، فوقع كما أخبر به، كما وعد اللَّه تعالى بذلك حيث قال: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (٩)} [الصف: ٩]، وقال: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (٢١)} [المجادلة: ٢١]، وقال: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (١٧١) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (١٧٢) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (١٧٣)} [الصافات: ١٧١ - ١٧٣]، وقال:{إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا}[غافر: ٥١].
(قَالَ) عمرو -رضي اللَّه عنه- (فَذَهَبْتُ إِلَى أَهْلِي، وَقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- الْمَدِينَةَ) أي: بعد أن مكث في مكة نبيًّا مرسلًا ثلاثة عشر عامًا يدعو الناس إلى التوحيد، ونبذ الشرك (وَكُنْتُ فِي أَهْلِي) أي: جلست فيهم، ومكثتُ معهم (فَجَعَلْتُ أَتَخَبَّرُ الْأَخْبَارَ) أي: أتطلّب، وأبحث، وأسأل أخبار رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بشدّة رغبة، وصدق عزيمة (وَأَسْأَلُ النَّاسَ حِينَ قَدِمَ) بكسر الدال؛ أي: أتى النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- (الْمَدِينَةَ) مهاجرًا من مكة سنة ثلاث عشرة من بعثته (حَتَّى قَدِمَ عَلَيَّ نَفَرٌّ مِنْ أَهْلِ