للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يَثْرِبَ) بفتح الياء المثنّاة، وسكون الثاء المثلّثة، وكسر الراء: اسم المدينة قبل الإسلام، قال ابن الأثير: يثرب اسم مدينة النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قديمة، فغيّرها، وسمّاها طيبة وطابةَ؛ كراهية التثريب، وهو اللوم والتعيير، وقيل: هو اسم أرضها، وقيل: سُمّيت باسم رجل من الْعَمَالقة. انتهى (١).

وقال في "المصباح": ثَرَبَ عليه يَثْرِبُ، من باب ضَرَبَ: عَتَبَ ولامَ، وبالمضارع بياء الغائب سُمّي رجلٌ من العمالقة، وهو الذي بنى مدينة النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فسُمّيت المدينة باسمه، قاله السهيليّ، وثَرَّبَ بالتشديد مبالغة وتكثيرٌ، ومنه قوله تعالى: {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ} الآية [يوسف: ٩٢] انتهى (٢).

وقوله: (مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةَ) بدل من الجارّ والمجرور قبله (فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي قَدِمَ الْمَدِينَةَ؟) يريد النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وإنما أخرج السؤال هذا المخرج؛ تعميةً لحاله على المسؤولين؛ خشية أن يكونوا من أعدائه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلا يُخبرونه بحقيقة الأمر إذا علموا أنه على دينه، وهذا من فقه عمرو بن عبسة -رضي اللَّه عنه-، وقوّة فطنته وذكائه (فَقَالُوا: النَّاسُ إِلَيْهِ سِرَاع) بكسر السين المهملة، وتخفيف الراء؛ أي: مسرعون إلى الإيمان بالنبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، واتباع دينه، يقال: جاء القومُ سِرَاعًا؛ أي: مسرعين (وَقَدْ أَرَادَ قَوْمُهُ قَتْلَهُ، فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا ذَلِكَ) الظاهر أراد ما دبّرت قريش للنبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بعد هجرته من غزوة بدر وأُحد والأحزاب، وغيرها، فلم يستطيعوا القضاء عليه، بل نصره اللَّه تعالى عليهم.

ويَحْتَمِل أن يكون المراد ما ذكره اللَّه تعالى في قوله: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (٣٠)} [الأنفال: ٣٠]، وذلك حين ائتمروا عليه بهذه الأمور، فأذن اللَّه في الهجرة، فهاجر إلى المدينة، فأنزل اللَّه تعالى عليه بعد قدومه المدينة "سورة الأنفال" يُذَكِّر نِعَمَه عليه، وبلاءه عنده (٣)، واللَّه تعالى أعلم.

(فَقَدِمْتُ الْمَدِينَةَ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ) -صلى اللَّه عليه وسلم- (فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَعْرِفُنِي؟


(١) راجع: "لسان العرب" ١/ ٢٣٥.
(٢) "المصباح المنير" ١/ ٨١.
(٣) راجع: "تفسير ابن كثير" ٢/ ٣٠٤.