للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قَالَ): ("نَعَمْ أَنْتَ الَّذِي لَقِيتَنِي بِمَكَّةَ"، قال) عمرو (فَقُلْتُ: بَلَى) أي: أنا الذي لقيتك بها، قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: فيه صحّة الجواب بـ "بلى" وإن لَمْ يكن قبلها نفي، وصحّة الإقرار بها، وهو الصحيح في مذهبنا، وشرط بعض أصحابنا أن يتقدّمها نفيٌ. انتهى (١).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: صرّح النحويّون بأن "بلى" لا تقع في إيجاب الإثبات، ويردّ عليهم ما وقع في هذا الحديث، وكذا في أحاديث أخرى صحيحة.

قال ابن هشام الأنصاريُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "مغنيه" بعد قوله: إنها تختصّ بالنفي، وأنها لا تقع بعد الإيجاب، وقال أيضًا: لا يجاب بها الإيجاب، وذلك متفق عليه، ما نصّه: ولكن وقع في كتب الحديث ما يقتضي أنها يجاب بها الاستفهام المجرَّد -أي: عن النفي- ففي "صحيح البخاريّ " في "كتاب الإيمان والنذور" أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لأصحابه: "أترضون أن تكونوا ربع أهل الجَنَّة؟ قالوا: بلى"، وفي "صحيح مسلم" في "كتاب الهبة": "أيَسُرُّك أن يكونوا لك في الْبِرّ سواءً؟ قال: بلي، قال: فلا إذن"، وفيه أيضًا أنه قال: "أنت الذي لقيتني بمكة؟ فقال له المجيب: بلى"، وليس لهؤلاء أن يحتجُّوا بذلك؛ لأنه قليل، فلا يتخرج عليه التنزيل. انتهى (٢).

فتبيّن بهذه الأحاديث ونحوها أن الحقّ وقوع "بلى" في إيجاب الإثبات، فترك الاحتجاج بها بدعوى أن الأحاديث لا تكون حجة في القواعد النحويّة، لجواز روايتها بالمعنى، كما تفوّه به بعضهم مكابرةٌ ظاهرةٌ، قد فنّده المحقّقون، كابن مالك وغيره.

وأما ما أجاب به الأبيّ مؤيّدًا قول النحاة بأن النفي هنا مقدَّر، فتكلّف بارد، فتبصّر، ولا تكن أسير التقليد، واللَّه تعالى أعلم.

(فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَمَّا عَلَّمَكَ اللَّهُ، وَأَجْهَلُهُ) قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هكذا هو: "عما علّمك"، وهو صحيحٌ، ومعناه: أخبرني عن حكمه وصفته، وبيّنه لي. انتهى.


(١) "شرح النووي" ٦/ ١١٦.
(٢) "مغني اللبيب" ١/ ٢٢٣ - ٢٢٤.