(أَخْبِرْنِي عَنِ الصَّلَاةِ) أي: عن وقتها الجائزة فيه بدليل الجواب، وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هذا سؤال عن تعيين الوقت الذي يجوز التنفّل فيه من الوقت الذي لا يجوز، وإنما قلنا ذلك؛ لأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- فَهِمَ عنه ذلك، فأجابه به، ولو كان سؤاله عن غير ذلك لما كان جوابه مطابقًا للسؤال. انتهى (١).
(قَالَ) -صلى اللَّه عليه وسلم-: ("صَلِّ صَلَاةَ الصُّبْحِ) أي: سنته وفرضه (ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلَاةِ) بقطع الهمزة، من الإقصار؛ أي: انته، وكُفّ عنها (حَتَّى تَطْلعَ الشَّمْسُ) وقوله: (حَتَّى تَرْتَفِعَ) بدل مما قبله، وفيه أن النهي عن الصلاة بعد الصبح لا يزول بطلوع الشمس، بل لا بدّ من ارتفاعها، فالمراد بالطلوع المطلق المذكور في بعض الأحاديث الطلوع المخصوص، وهو الارتفاع، لا مجرّد الظهور، وقد ورد قدر الارتفاع مفسّرًا في رواية أبي داود والنسائيّ، فقال: "ثم أقصر حتى تطلع الشمس فترتفع قيس رمح أو رمحين"، ولفظ النسائيّ: "قِيد رُمح"، والقِيس والقاس، والقِيد والقاد، والقيب والقاب: معناها القدر.
(فَإِنَّهَا تَطْلُعُ حِينَ تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ) بالتنكير، قيل: هو للتحقير، ووقع في بعض النسخ بالتعريف، وقد تقدّم اختلاف العلماء في المعنى المراد بقرني الشيطان، وأن الأرجح أن المراد به ناحيتا الرأس، وأنه على ظاهره، ومعناه أنه يُدني رأسه إلى الشمس في هذه الأوقات؛ ليكون الساجدون للشمس كالساجدين له في الصورة، واللَّه تعالى أعلم.
(وَحِينَئِذٍ) وفي نسخة: "فإنه حينئذ" (يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ) أي: الذين يعبدونها (ثُمَّ) بعد ارتفاع الشمس قدر رُمح (صَلِّ) أي: ما شئت، ففي رواية أبي داود: "ثم صلّ ما شئت"، وعند ابن ماجه: "فصلّ ما بدا لك" (فَإِنَّ الصَّلَاةَ) أي: بعد ارتفاع الشمس، أو الصلاة المشروعة (مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ) قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: أي: تحضرها الملائكة، فهي أقرب إلى القبول، وحصول الرحمة، وقال القاري -رَحِمَهُ اللَّهُ-: أي: يحضرها الملائكة؛ ليكتبوا أجرها، ويشهدوا بها لمن صلّاها، ويؤيّده أن في رواية أبي داود: "مشهودة مكتوبة"، وقال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: أي: يحضرها أهل الطاعة، من سكان السماء والأرض، وعلى