للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(فَحَدَّثَ عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ) -رضي اللَّه عنه- (بِهَذَا الْحَدِيثِ أَبَا أُمَامَةَ) الباهليّ -رضي اللَّه عنه- (صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَقَالَ لَهُ أَبُو أُمَامَةَ: يَا عَمْرَو بْنَ عَبَسَةَ انْظُرْ مَا تَقُولُ) أي: فَكِّر، وتَأنَّ فيما تتكلم به من هذا الفضل الجزيل على هذا الفعل القليل (فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ يُعْطَى هَذَا الرَّجُلُ؟) ولفظ النسائيّ: "أكلَّ هذا يُعطَى في مجلس واحد؟ "، وليس هذا اتهامًا من أبي أمامة لعمرو -رضي اللَّه عنهما-، وإنما هو استغراب، وتعجُّب من عظيم فضل اللَّه تعالى.

(فَقَالَ عَمْرٌو: يَا أَبا أُمَامَةَ لَقَدْ كَبِرَتْ سِنِّي) يقال: كَبِرَ الصبيُّ يَكْبَر، من باب تَعِبَ مَكْبِرًا، مثلُ مَسْجِد، وكِبَرًا وزان عِنَبٍ، فهو كَبِير، وجمعه كِبَار، قاله في "المصباح" (١). وفي "القاموس"، وكَبِرَ كفَرِحَ كِبَرًا كعنب، ومَكبِرًا، كمنزل: طعن في السنّ. انتهى.

والسنّ -بكسر السين وتشديد النون-: مقدار العمر، مؤنثة في الناس وغيرهم جمعه أسنان، قاله في "القاموس".

(وَرَقَّ عَظْمِي) كناية عن ضعفه (وَاقْتَرَبَ أَجَلِي) أي: وقت موتي، قال في "القاموس": الأجل محركة: غاية الوقت في الموت. انتهى.

(وَمَا بِي حَاجَةٌ) وفي رواية النسائيّ: "وما بي من فقر"؛ أي: ليس بي حاجة إلى الناس (أَنْ أَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ) -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، وفي رواية النسائيّ: "فأكذب على رسول اللَّه (وَلَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ) وفي بعض النسخ: "ولا على رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-".

والمعنى أن الأسباب الحاملة على الكذب عادةً منتفيةٌ عني، فلست كاذبًا.

(لَوْ لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِلَّا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا حَتَّى عَدَّ سَبْعَ مَرَّاتٍ مَا حَدَّثْتُ بِهِ أَبَدًا) وفي نسخة: "ما حدّثت به أحدًا أبدًا".

وفي رواية النسائيّ: "ولقد سمعته أُذناي، ووعاه قلبي، من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-"؛ يعني: أنه متثبت في ثقل هذا الكلام من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثم إن قلبه وعاه له، ولم يطرأ عليه نسيان.

(وَلَكِنِّي سَمِعْتُهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ) قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هذا الكلام قد يُسْتَشكل


(١) "المصباح المنير" ٢/ ٥٢٣.