بالإنصات بمثل ذلك، كأمر عارض في مصلحة عامّة، كما خَصَّ بعضهم منه ردّ السلام، لوجوبه.
ونَقَلَ صاحب "المغني" الاتفاق على أن الكلام الذي يجوز في الصلاة يجوز في الخطبة، كتحذير الضرير من البئر.
وعبارة الشافعيّ: وإذا خاف على أحد لم أر بأسًا إذا لم يفهم عنه بالإيماء أن يتكلم.
وقد استُثني من الإنصات في الخطبة ما إذا انتهى الخطيب إلى كل ما لم يُشْرَع مثل الدعاء للسلطان مثلًا، بل جزم صاحب "التهذيب" بأن الدعاء للسلطان مكروه، وقال النوويّ: محله ما إذا جازف، وإلا فالدعاء لولاة الأمور مطلوبٌ. انتهى.
ومحل الترك إذا لم يَخَفْ الضرر، وإلا فيباح للخطيب إذا خَشِي على نفسه، واللَّه أعلم. انتهى كلام الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١)، وهو بحثٌ نفيسٌ، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في حكم الكلام حال الخطبة:
(اعلم): أنه سبق البحث عن هذا مختصرًا في المسألة السابقة، ولكن لا بأس بإعادته على وجه الاستقصاء لأقوال أهل العلم وأدلّتهم ومناقشتها؛ تكميلًا للفائدة، فأقول:
قال الحافظ ولي الدين العراقيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- ما حاصله: استُدلّ بحديث الباب على وجوب الإنصات للخطبة، وتحريم الكلام فيها؛ لأنه إذا لم تغتفر هذه الكلمة -يعني:"أنصت"- مع خفّتها، وكونها أمرًا بمعروف محتاج إليه في تلك الحالة، فما عداها أولى بالمنع.
وهذا أحد قولي الشافعيّ، نصّ عليه في "القديم"، و"الإملاء"، وبه قال مالك، وأبو حنيفة، وهو المشهور من مذهب أحمد.
وقال ابن المنذر: نَهَى عثمان، وابن عمر عن الكلام، والإمام يخطب،