للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الشيخين، ولعل ذلك يكون خيرًا للأمة؛ ليجتهدوا في سائر اليوم، كما قال -صلى اللَّه عليه وسلم- في ليلة القدر حين أُنسيها: "وعسى أن يكون خيرًا لكم".

قال الحافظ العراقيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "شرح الترمذيّ": وإن من كان مطلبه خطيرًا عظيمًا، كسؤال المغفرة، والنجاة من النار، ودخول الجنة، ورِضَى اللَّه تعالى عنه، لَجَدِير أن يستوعب جميع عمره بالطلب، والسؤال، فكيف لا يسهل على طالب مثل ذلك سؤال يوم واحد؟ كما قال عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهما-: إن طلب حاجة في يوم يسيرٌ.

قال العراقيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ومن لم يتفرغ لاستيعاب اليوم بالدعاء، وأراد حصول ذلك، فطريقه كما قال كعب الأحبار: لو قَسَمَ الإنسان جمعة في جُمَعٍ أتى على تلك الساعة، قال: وهذا الذي قاله بناءٌ على أنها مستقرّة في وقت واحد من اليوم، لا تنتقل، وهو الصحيح المشهور، واللَّه أعلم. انتهى (١).

٦ - (ومنها): ما قاله وليّ الدين -رَحِمَهُ اللَّهُ-: أَطْلق في هذه الرواية المسئول، وظاهره أن جميع الأشياء في ذلك سواء، وفي رواية أخرى: يسأل اللَّه خيرًا، وهي في "الصحيحين" من رواية محمد بن سيرين، عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، وفي "صحيح مسلم" من رواية محمد بن زياد، عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، وهي أخص من الأولى، إن فُسِّر الخير بخير الآخرة، وإن فُسِّر بأعمّ من ذلك؛ ليشمل خير الدنيا، فَيَحْتَمِل مساواتها للرواية الأولى، ويَحْتَمِل أن يقال: إنها أخص أيضًا؛ لأنه قد يدعو بشيء ليس خيرًا في الدنيا ولا في الآخرة، بل هو شرّ محضٌ، يَحْمِله على الدعاء به سوء الْخُلُق والحرج، فيُحْمَل المطلق على المقيَّد.

وقد ورد التقييد أيضًا في حديث سعد بن عبادة -رضي اللَّه عنه- أن رجلًا من الأنصار أتى النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: أخبرنا عن يوم الجمعة، ماذا فيه من الخير؟ قال: "فيه خمس خلال. . . " الحديث، وفيه: "وفيه ساعة، لا يسأل عبد فيها شيئًا إلا آتاه اللَّه، ما لم يسأل مَأْثَمًا، أو قطيعةَ رَحِم"، رواه أحمد، والبزار، والطبرانيّ في "الكبير"، وإسناده جيّد، وعطف "قطيعة الرحم" على "المأثم"، وإن دخل في عمومه؛ لعظم ارتكابه.


(١) "طرح التثريب" ٣/ ٢١٤.