وقال المازريّ رحمه الله تعالى:"النصيحة" مشتقّة من نصحتُ العسل: إذا صفّيته، يقال: نصح الشيء: إذا خلص، ونصح له القول: إذا أخلص له، أو مشتقّة من النصح، وهي الخياطة بالْمِنْصَحة وهي الإبرة، والمعنى أنه يلُمّ شعث أخيه بالنصح كما تلُمّ الْمِنْصَحَةُ، ومنه التوبة النصوح، كأن الذنب يُمَزِّق الدين والتوبة تَخِيطه. انتهى (١).
وقال أبو سليمان الخطابيّ رحمه الله تعالى: النصيحة كلمة جامعة، معناها: حِيَازَةُ الحظّ للمنصوح له، قال: ويقال: هو من وَجِيز الأسماء، ومختصر الكلام، وليس في كلام العرب كلمة مفردةٌ يُستَوفَى بها العبارة عن معنى هذه الكلمة، كما قالوا في الفلاح: ليس في كلام العرب كلمة أجمع لخير الدنيا والآخرة منه، قال: وقيل: النصيحة مأخوذة من نَصَحَ الرجلُ ثوبه: إذا خاطه، فَشَبَّهوا فعل الناصح فيما يَتَحَرّاه من صلاح المنصوح له بما يَسُدُّه من خَلَل الثوب، قال: وقيل: إنها مأخوذة من نَصَحْتُ العسلَ: إذا صَفَّيته من الشَّمَع، شَبَّهُوا تخليص القول من الغِشِّ بتخليص العسل من الْخِلْط، قال: ومعنى الحديث: عمادُ الدين، وقِوَامه النصيحةُ، كقوله:"الحجُّ عرفة"، أي عمادهُ، ومعظمهُ عرفة.
(قُلْنَا) القائلون هم تميم وأصحابه من الصحابة الذين حضروا قوله - صلى الله عليه وسلم -: "الدين النصيحة"، (لِمَنْ؟) هذا دليل على أن معنى النصيحة واسع جامع يصلح لجهات متعدّدة، ولذلك عمم لهم جميع تلك الجهات، فـ (قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("لِلَّهِ) أي النصيحة كائنة لله سبحانه وتعالى، ومعناها منصرف إلى الإيمان به، ونفي الشريك عنه، وترك الإلحاد في صفاته، ووصفه بصفات الكمال، والجلال كلها التي وصف بها نفسه، أو وصفه بها رسوله - صلى الله عليه وسلم - في أحاديثه الصحيحة من غير تكييف، ولا تمثيل ومن غير تعطيل ولا تأويل، وتنزيهه سبحانه وتعالى من جميع النقائص، والقيام بطاعته، واجتناب معصيته، والحبّ فيه والبغض فيه، وموالاة من أطاعه ومعاداة من عصاه، وجهاد من كَفَرَ به، والاعتراف بنعمه وشكره عليها، والإخلاص له في جميع الأمور، ودعاء جميع الناس أو من أمكن منهم إلى جميع الأوصاف المذكورة، والحثّ عليها والتلطُّف في ذلك.