بالغنم على أفضليتها في الأضحيّة لدلّ إهداؤه لها على أفضليتها في الهدايا، وليس كذلك بالاتفاق، كما تقدّم.
وقول القاضي عياض: إن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- إنَّما ضحّى بالضأن، وما كان ليترك الأفضل، كما لم يتركه في الهدايا، فيه نظر، لما قدّمناه أنه ضحّى بغير الضأن، وأنه تَرَكَ الأفضلَ في حقنا في الهدايا، فأهدى الغنم، وكان -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا فعل العبادة المفضولة، كانت في حقِّه فاضلة، لكونه يُبيّن بذلك شرعيتها.
وقد تُحملُ تضحيته -صلى اللَّه عليه وسلم- بالكبشين على أنه لم يجد في ذلك الوقت إلا الغنم، أو أنه فعله لبيان الجواز، واللَّه أعلم.
والجواب عن الثالث، وهو أقوى ما استدلّوا به أنه محمول على تفضيل الكبش على مُساويه من الإبل والبقر، فإن البدنة والبقرة كل منهما يُجزئ عن سبعة، فيكون المراد تفضيلَ الكبش على سُبُع بدنة، وسُبُع بقرة، أو تفضيل سَبْع من الغنم على البدنة والبقرة، لتتفق الأحاديث، فإن ظاهر الحديث الذي نحن في شرحه موافق للجمهور.
قال الحافظ العراقيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وقد يُجاب بأن المراد خير الأضحية بالغنم الكبشُ، قال: وفيه تعسّف. انتهى.
واحتجّ الجمهور أيضًا بقياس الضحايا على الهدايا، وأيضًا فقيل في قوله تعالى:{فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}[البقرة: ١٩٦] أن المراد شاة، وذلك يدلّ على نقصان مرتبتها عن غيرها من النَّعَم، وأيضًا فإن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- سُئل عن أفضل الرقاب، فقال:"أغلاها ثمنًا، وأنفسها عند أهلها"، ولا شكّ في أن الإبل والبقر أنفس عند الناس، وأغلى ثمنًا من الغنم. ذكره وليّ الدين -رَحِمَهُ اللَّهُ-.
٥ - (ومنها): أنه استُدلّ به على أن مَن التزم هديًا يكفيه أن يخرج ناقة، أو بقرة، أو شاة؛ لأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- أطلق لفظ الهدي على الثلاثة، وقد اتفق العلماء على ذلك في الإبل، والبقر، واتفق الشافعية في الغنم أيضًا، وعن مالك أنه أجاز الشاة مرّة، ومرّة لم يُجزها، واللَّه تعالى أعلم.
٦ - (ومنها): أنه قد يُستدلّ بعمومه على استحباب التبكير للخطيب أيضًا، لكن ينافيه قوله في آخره:"فإذا خرج الإمام طوت الملائكة الصحف"، فدلّ على أنه لا يخرج إلا بعد انقضاء وقت التبكير المستحبّ في حقّ غيره.