وروينا عن سعيد بن جبير أنه قال: كانت الجمعة أربعًا، فجعلت الخطبة مكان الركعتين. انتهى كلام ابن المنذر -رَحِمَهُ اللَّهُ-.
وقال أبو محمد بن حزم -رَحِمَهُ اللَّهُ- ردًّا على القائلين بالفرضية:
فأما أبو حنيفة، ومالك فقالا: الخطبة فرض، لا تجزئ صلاة الجمعة إلا بها، والوقوف في الخطبة فرض، واحتجّا بفعل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثم تناقضا، فقالا: إن خطب جالسًا أجزأه، وإن خطب خطبة واحدة أجزأه، وإن لم يخطب لم يجزه.
قال: من الباطل أن يكون بعض فعله -صلى اللَّه عليه وسلم- فرضًا، وبعضه غير فرض. وقال الشافعيّ: إن خطب خطبة واحدة لم تجزه الصلاة، ثم تناقض، فأجاز الجمعة لمن خطب قاعدًا، والقول عليه في ذلك كالقول على أبي حنيفة ومالك في إجازتهما الجمعة بخطبة واحدة، ولا فرق.
قال: فإن ادَّعَوا إجماعًا أكذَبهم ما رويناه عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن البصريّ: من لم يخطب يوم الجمعة صلى ركعتين على كلّ حال، وقد قاله أيضًا ابن سيرين.
قال: فإن قالوا: لم يصلّها -صلى اللَّه عليه وسلم- قط إلا بخطبة.
قلنا: ولا صلاها -صلى اللَّه عليه وسلم- قط إلا بخطبتين قائمًا يجلس بينهما، فاجعلوا كل ذلك فرضًا لا تصح الجمعة إلا به، ولا صلى -صلى اللَّه عليه وسلم- قط إلا رفع يديه في التكبيرة الأولى، فأبطلوا الصلاة بترك ذلك. انتهى كلام ابن حزم -رَحِمَهُ اللَّهُ- تعالى باختصار (١).
قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: الذي يظهر لي أنّ ما ذهب إليه من قال بعدم وجوب الخطبتين هو الحقّ؛ لأنه لا دليل على الوجوب إلا مجرّد فعل النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهو لا يكفي في إثبات الوجوب، كما هو مذهب المحقّقين، فتبصّر، ولا تكن أسير التقليد، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): في اختلاف أهل العلم في حكم القيام للخطبة: