للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال ابن المنذر -رَحِمَهُ اللَّهُ-: الذي عليه عمل أهل العلم من علماء الأمصار ما يفعله الأئمة، وهو جلوس الإمام على المنبر أولَ ما يرقى إليه، ويؤذّن المؤذن، والإمام جالس، فإذا فرغ المؤذن من الأذان قام الإمام، فخطب خطبةً، ثم جلس، وهو في حال جلوسه غير خاطب، ولا يتكلم، ثم يقوم فيخطب الخطبة الثانية، ثم ينزل عند فراغه. انتهى كلام ابن المنذر -رَحِمَهُ اللَّهُ-.

ونقل غيره عن أبي حنيفة أن القيام في الخطبة سنة، وليس بواجب، وعن مالك رواية أنه واجب، فإن تركه أساء، وصحت الخطبة، وعند الباقين أن القيام في الخطبة يشترط للقادر كالصلاة.

واستُدلّ للأول بحديث أبي سعيد -رضي اللَّه عنه-: "أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- جلس ذات يوم على المنبر، وجلسنا حوله. . . " الحديث، متّفقٌ عليه، وبحديث سهل -رضي اللَّه عنه- أيضًا: "مري غلامك النجار يعمل لي أعوادًا أجلس عليهن. . . "، متّفقٌ عليه.

وأجيب عن الأول بأنه كان في غير خطبة الجمعة، وعن الثاني باحتمال أن تكون الإشارة إلى الجلوس أول ما يصعد، وبين الخطبتين.

واستُدلّ للجمهور بحديث جابر بن سمرة -رضي اللَّه عنه- الآتي بعد هذا: "أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يخطب قائمًا، ثم يجلس، ثم يقوم، فيخطب قائمًا، فمن نبّأك أنه كان يخطب جالسًا، فقد كذب".

وبحديث كعب بن عُجرة -رضي اللَّه عنه- الآتي في الباب التالي.

وأخرج ابن أبي شيبة عن طاوس: "خطب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على القيام، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وأول من جلس على المنبر معاوية".

وبمواظبة النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- على القيام، وبمشروعية الجلوس بين الخطبتين، فلو كان القعود مشروعًا في الخطبتين ما احتيج إلى الفصل بالجلوس، ولأن الذي نُقل عنه القعود كان معذورًا.

فعند ابن أبي شيبة من طريق الشعبي أن معاوية إنما خطب قاعدًا لما كثر شحم بطنه ولحمه.

وروى سعيد بن منصور عن الحسن، قال: "أول من استراح في الخطبة يوم الجمعة عثمان، وكان إذا أعيى جلس، ولم يتكلم حتى يقوم، وأول من خطب جالسًا معاوية".