للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وروى عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة: "أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأبا بكر، وعمر، وعثمان كانوا يخطبون يوم الجمعة قيامًا، حتى شقّ على عثمان القيام، فكان يخطب قائمًا، ثم يجلس، فلما كان معاوية خطب الأولى جالسًا، والأخرى قائمًا".

ولا حجة في ذلك لمن أجاز الخطبة قاعدًا؛ لأنه تبيّن أن ذلك للضرورة.

وأما من احتجّ بأنه لو كان شرطًا ما صلى من أنكر ذلك مع القاعد.

فجوابه أنه محمول على أن من صنع ذلك خشي الفتنة، أو أن الذي قعد باجتهاد، كما قالوا في إتمام عثمان الصلاة في السفر، وقد أنكر ابن مسعود، ثم إنه صلى خلفه، فأتمّ معه، واعتذر بأن الخلاف شرّ، ذكره في "الفتح".

قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: الذي يظهر لي أن القول بعدم وجوب القيام للخطبة هو الحقّ؛ لأن من أوجبه ما استدلّ إلا بفعل النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهو بمجرده لا يكفي في إثبات الوجوب، فالمستحب أن يخطب قائمًا، اقتداء برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، والخلفاء الراشدين، إلا عثمان، فكان يخطب قائمًا، ثم جلس لَمّا شقّ عليه، وأما الاحتجاج بقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "صلّوا كما رأيتموني أصلي" فقد اتفقوا على عدم الاحتجاج به في بعض المواضع؛ كالجلوس على المنبر قبل الخطبة، والأذان بين يدي الخطيب، وقراءة سورة {ق}، فكان يقرأ بها في كل جمعة، وغير ذلك، فلم يقولوا بوجوبها، فكذلك هنا، إذ لا فرق بينها، فتبصّر بالإنصاف، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب

(المسألة السادسة): في اختلاف أهل العلم فيما يُجزئ من الخطبة:

قال الإمام ابن المنذر -رَحِمَهُ اللَّهُ-: اختلف أهل العلم فيما يجزئ من الخطبة للجمعة، فقالت طائفة: يجزئ ما يقع عليه اسم خطبة، روينا ذلك عن الشعبي، أنه كان يخطب يوم الجمعة ما قلّ، أو كثر، وكان عطاء بن أبي رباح يقول: ما جلس النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- على منبر قطّ (١).

وممن رأى أن خطبةً واحدة تجزئ: مالكٌ، والأوزاعيّ، وإسحاق، وأبو


(١) هذا القول تردّه الأحاديث الصحيحة أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يجلس بين الخطبتين، فتنبّه.