يوسف، ومحمد، وقال أبو ثور: يجزئ ما يكون كلامًا مجتمعًا، يقع عليه اسم خطبة.
وفي هذا المسألة قولان آخران:
أحدهما: قول الشافعيّ، وهو أن الإمام إن خطب خطبة واحدة، وصلى الجمعة عاد، فخطب ثانيةً، فإن لم يفعل حتى يذهب الوقت أعاد الظهر أربعًا. وقال: فإن جعلها خطبتين، ولم يفصل بينهما بجلوس أعاد خطبته، فإن لم يفعل صلى أربعًا، وأقلّ ما يقع عليه اسم خطبة من الخطبتين أن يحمد اللَّه، ويصلي على النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ويوصي بتقوى اللَّه، ويقرأ شيئًا من القرآن في الأولى، ويحمد اللَّه، ويصلي على النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ويوصي بتقوى اللَّه، ويدعو في الآخرة.
والقول الآخر: قول النعمان، وهو أن الإمام إن خطب يوم الجمعة بتسبيحة واحدة أجزأه.
قال ابن المنذر: فأما ما قال النعمان، فلا معنى له، ولا أعلم أحدًا سبقه إليه، وغير معروف عند أهل المعرفة باللغة بأن يُقال لمن قال: سبحان اللَّه، قد خطب، وإذا كان المقول هذا سبيله، فلا معنى للاشتغال به.
وأما الذي قاله الشافعيّ، فلست أجد دلالةً توجب ما قال.
وقد عارض الشافعيَّ غيرُه من أصحابنا (١)، فقال: يقال لمن قال بقوله: من أين أوجبت الجلسة بين الخطبتين فرضًا أبطلت الجمعة بتركها؟ وقد أتى بالجمعة، والخطبتين، وليست الجلسة من الجمعة؛ لأن الجمعة فرضها ركعتان، كذلك في حديث عمر -رضي اللَّه عنه-، والخطبة معروفة، والجلسة غير هذا، ولو كانت الجلسة واجبة لم يجز أن تبطل الجمعة بتركها؛ لأنها غير هذا، فإن اعتلّ بجلوس النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بين الخطبتين، فالفعل عنده، وعند غيره لا يوجب فرضًا، ولو ثبت أنه فرض لم يدلّ على إبطال الجمعة.
(١) قوله: "غيره من أصحابنا" أراد به المحقّقيق من أهل العلم الذين جمعوا بين النقل والدراية، وفيه إبطال لزعم من يزعم أن ابن المنذر شافعيّ المذهب، مقلّد للشافعيّ، وقد أوضحت بطلان هذا القول في "مقدّمة شرح النسائيّ" عند الكلام على مذهب النسائيّ بما فيه الكفاية، فراجعه تستفد، وباللَّه تعالى التوفيق.