للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

زيادة الوسطى على المسبّحة. انتهى (١).

(وَيَقُولُ) -صلى اللَّه عليه وسلم- "أمَّا بَعْدُ) "أما" كلمة تَفْصِل ما بعدها عما قبلها، وهي حرفٌ متضمّنٌ للشرط، ولذلك تدخل الفاء في جوابها، وقدّرها النحويّون بـ "مهما يكن من شيء"، وإلى هذا أشار في "الخلاصة" بقوله:

"أَمَّا" كَـ "مَهْمَا يَكُ مِنْ شَيْءٍ" وَفَا … لِتِلْوِ تِلْوِهَا وُجُوبًا أُلِفَا

وَحَذْفُ ذِي الْفَا قَلَّ فِي نَثْرٍ إِذَا … لَمْ يَكُ قَوْلٌ مَعَهَا قَدْ نُبِذَا

و"بَعْدُ" ظرف زمانيّ قُطِع عن الإضافة مع كونها مرادةً، فبُني على الضمّ، وخصّ بالضمّ؛ لأنه حركة ليست في حال إعرابه، والعامل فيه ما تضمّنه "أما" من معنى الشرط (٢).

وقال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: "أما بعدُ" هاتان الكلمتان يقال لهما: فصل الخطاب، وأكثر استعمالهما بعد تقدّم قصّة، أو حمد اللَّه تعالى، والصلاة والسلام على النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، والأصل أن يقال: أما بعد حمد اللَّه تعالى، و"بَعْدُ" إذا أُضيف إلى شيء، ولم يتقدّم عليه حرف جرّ، فهو منصوب على الظرف، وإذا قُطِع عنه المضاف إليه يُبنَى على الضمّ، والمفهوم أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال ذلك في أثناء خطبته ووعظه، وأنشد التوربشتيّ لسحبان [من الطويل]:

لَقَدْ عَلِمَ الْحَيُّ الْيَمَانُونَ أَنَّنِي … إِذَا قُلْتُ "أَمَّا بَعْدُ" أَنِّي خَطِيبُهَا

والفاء لازمة لما بعد "أمّا" من الكلام؛ لما فيها من معنى الشرط.

قال: "أما" وُضِعَ للتفضيل، فلا بُدّ من التعدّد، روى صاحب "المرشد" عن أبي حاتم أنه لا يكاد يوجد في التنزيل "أما" وما بعدها إلا وتثنَّى، أو تثلّث، كقوله تعالى: {أَمَّا السَّفِينَةُ}، {وَأَمَّا الْغُلَامُ}، {وَأَمَّا الْجِدَارُ}، وعامله مقدّر؛ أي: مهما يكن من شيء بعد تلك القصّة فإن خير الحديث كتاب اللَّه، فالذي يتضمّن القرينة السابقة قول الراوي في الحديث: "إذا خطب احمرّت عيناه، وعلا صوته، واشتدّ غضبه، حتى كأنه منذر جيش يقول: صبّحكم ومسّاكم، ويقول: بعثت أنا والساعة كهاتين، ويقرِن بين إصبعيه السبّابة


(١) "شرح السنديّ على النسائيّ" ٣/ ١٨٩.
(٢) راجع: "المفهم" ٢/ ٥٠٧.