للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والوسطى، ويقول: أما بعد. . . " الحديث. انتهى كلام الطيبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١).

وقد استوفيت البحث في "أما بعد" في "شرح المقدمة" عند قوله: "أما بعد"، فراجعه تستفد، وباللَّه تعالى التوفيق.

(فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ) -صلى اللَّه عليه وسلم- قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هو بضم الهاء، وفتح الدال فيهما، وبفتح الهاء، وإسكان الدال أيضًا، ضبطناه بالوجهين، وكذا ذكره جماعة بالوجهين، وقال القاضي عياض -رَحِمَهُ اللَّهُ-: رويناه في مسلم بالضمّ، وفي غيره بالفتح، وبالفتح ذكره الهرويّ، وفسّره الهرويّ على رواية الفتح بالطريق؛ أي: أحسنُ الطرق طريقُ محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، يقال: فلانٌ حسن الهدي؛ أي: الطريقة، والمذهب، "اهتدوا بهدي عَمّار".

وأما على رواية الضمّ، فمعناه الدلالة، والإرشاد.

قال العلماء: لفظ الهدى له معنيان:

[أحدهما]: بمعنى الدلالة والإرشاد، وهو الذي يضاف إلى الرسل، والقرآن، والعباد، قال اللَّه تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: ٥٢]، {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: ٩]، و {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: ٢]، ومنه قوله تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ} [فصلت: ١٧]، أي: بيّنّا لهم الطريق، ومنه قوله تعالى: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ} [الإنسان: ٣]، {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (١٠)} [البلد: ١٠].

[والثاني]: بمعنى اللطف، والتوفيق، والعصمة، والتأييد، وهو الذي تفرّد اللَّه تعالى به، ومنه قوله تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} الآية [القصص: ٥٦]. وقالت القدرية: حيث جاء الهدى، فهو للبيان، بناءً على أصلهم الفاسد في إنكار القدر، وردّ عليهم أصحابنا وغيرهم من أهل الحقّ، مثبتي القدر للَّه تعالى بقوله تعالى: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢٥)} [يونس: ٢٥]، ففرّق بين الدعاء والهداية. انتهى كلام النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (٢).


(١) "الكاشف عن حقائق السنن" ٢/ ٦٠٤.
(٢) "شرح النووي" ٦/ ١٥٤.