للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شرح الحديث:

(عَنْ وَاصِلِ بْنِ حَيَّانَ) بتحتانيّة مشدّدة، أنه (قَالَ: قَالَ أَبُو وَائِلٍ) شقيق ابن سلمة (خَطَبَنَا عَمَّارٌ) أي: ابن ياسر -رضي الله عنها - (فَأَوْجَزَ، وَأَبْلَغَ) أي: أبلغ في المعنى، وأوجز في اللفظ، وهذه هي المسمّاة بالبلاغة والفصاحة عند علماء البلاغة (فَلَمَّا نَزَلَ) أي: عن المنبر (قُلْنَا: يَا أَبَا الْيَقْظَانِ) كنية عمّار -رضي الله عنه- (لَقَدْ أَبْلَغْتَ، وَأَوْجَزْتَ، فَلَوْ كُنْتَ تَنَفَّسْتَ؟) أي: أطلت الكلام شيئًا، يقال: نفّس الله في عمرك؛ أي: أطاله (فَقَالَ) عمّار -رضي الله عنه- (إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "إِنَّ طُولَ صَلَاةِ الرَّجُلِ) أي: إطالتها (وَقصَرَ خُطْبَتِهِ) بكسر القاف، وفتح الصاد؛ أي: تقصيرها (مَئِنَّةٌ) -بِفَتْحِ الْمِيمِ، وَبَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَكْسُورَةٌ، ثُمَّ نُونٌ مُشَدَّدَةٌ-؛ أَيْ: عَلَامَة (مِنْ فِقْهِهِ) أي: علامة يتحقّق بها فقهه، فهي مِفْعَلة، بُنيت من "إِنَّ" المكسورة المشدّدة، وحقيقتها مَظِنّة ومكانٌ لقول القائل: إنه فقيهٌ؛ لأن الصلاة مقصودة بالذات، والخطبة توطئة لها، فتُصرف العنايةُ إلى الأهمّ، كذا قيل، أو لأنّ حال الخطبة توجهه إلى الخلق، وحال الصلاة مقصده الخالق، فمن فقاهة قلبه إطالة معراج ربّه، أو لأن الصلاة هي الأصل، والخطبة هي الفرع، ومن القضايا الفقهيّة أن يُؤْثَر الأصل على الفرع بزيادة.

وقال الطيبيّ رحمه الله: قوله: "من فقهه" صفةُ "مَئِنّة أي: مئِنّةٌ ناشئةٌ من وقال في "النهاية": أي: ذلك مما يُعرف به فقه الرجل، فكلُّ شيء دلّ على شيء فهو مئنّة له، وحقيقتها أنها مِفْعَلة، من معنى "إِنَّ" التي للتحقيق والتأكيد، غيرُ مشتقّة من لفظها؛ لأن الحروف لا يُشْتَقّ منها، وإنما ضُمِّنت حروفها؛ دلالة على أن معناها فيها، ولو قيل: إنها اشتُقّت من لفظها بعدما جُعلت اسمًا لكان قولًا.

ومن أغرب ما قيل فيها: إن الهمزة بدل من ظاء الْمِظَّنة، والميمُ في ذلك كله زائدة، وقال أبو عبيد: معناه أن هذا مما يُستدلّ به على فقه الرجل، قال الأزهريّ: جعل أبو عبيد فيه الميم أصليةً، وهي ميم مِفْعَلة. انتهى) (١).


(١) "النهاية في غريب الأثر" ٤/ ٢٩٠ - ٢٩١.