للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الأولى ما أسلفته من أنه كان عند الدعاء؛ لتصريحه في الروايات المذكورة، فتنبّه، والله تعالى أعلم.

(فَقَالَ) عمارة -رضي الله عنه- (قَبَّحَ اللهُ هَاتَيْنِ الْيَدَيْنِ) بالتكبير، وفي رواية أحمد: "لعن الله هاتين اليُديّتين" بالتصغير.

قال القاري رحمهُ اللهُ: هذا دعاء عليه، أو إخبارٌ عن قبح صنعه، نحو قوله تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} [المسد: ١] انتهى (١).

وإنما دعا عليه لمخالفته ما ثبت عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فالجملة خبرية لفظًا، إنشائية معنًى، وفيها إطلاق اسم الجزء على الكلّ، ويَحْتَمِل أن تكون خبرية لفظًا ومعنى، فيكون إخبارًا عن قبح صنيعه.

(لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَقُولَ) أي: يفعل، ففيه إطلاق القول على الفعل مجازًا (بِيَدِهِ هَكَذَا، وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ الْمُسَبِّحَةِ) بالجرّ صفة لـ"إصبعه"، ويجوز القطع إلى الرفع والنصب، وهي بكسر الموحّدة المشدّدة، اسم فاعل من التسبيح، سُمّيت بذلك؛ لكونها يشار بها عند التوحيد والتسبيح، كما سُمّيت بالسبّابة؛ لجريان عادة الناس بالإشارة بها عن السبّ.

يعني: أنه أشار كما يرفعها في التشهد، وفي رواية النسائيّ: "مَا زَادَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى هَذَا، وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ"، وفي رواية أبي داود: "لقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهو على المنبر، ما يزيد على هذه -يعني: السبابة التي تلي الإبهام-، وفي رواية أحمد: "رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على المنبر يدعو، وهو يُشير بإصبع".

وفيه دليل على عدم مشروعية رفع اليدين على المنبر حال الدعاء في الخطبة.

وفي معنى حديث عمارة بن رويبة حديث سهل بن سعد -رضي الله عنهما-، قال: "ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شاهرًا يديه قط يدعو على منبر، ولا غيره، ما كان يدعو إلا يضع يده حذو منكبيه، ويشير بإصبعه إشارةً"، أخرجه أحمد، وأبو داود، وقال فيه: "لكن رأيته يقول هكذا، وأشار بالسبّابة، وعقد الوسطى بالإبهام".


(١) "مرقاة المفاتيح" ٣/ ٤٦٢.