للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نزل الناس منازلهم وأخذوا أخذاتهم، فيقال له: أترضى أن يكون لك مثل مُلْكِ ملِكٍ من ملوك الدنيا؟ فيقول: رضيت ربِّي، فيقول لك مثله، ومثله معه، ومثله، ومثله، ومثله، فقال في الخامسة رضيت ربِّ، فيقال هذا لك وعشرةُ أمثاله، ولك ما اشتهت نَفسُك ولذة عينُك، فيقول رضيت رب (فهذا أدنى أهلها الجنة منزلة).

قال موسى: ربِّ فأعلاهم منزلةً؟ قال: أولئك الذين أردتُ غرست كرامتهم بيدي، وختمت عليها، فلم تر عين ولم تسمع أذنٌ، ولم يخطر على قلب بشر، قال: ومصداقه من كتاب الله قوله تعالى: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (١).

فإذا قارنت هذه الصورة بصورة معاكسة قال الله في بيانها: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (٣٦) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ} (٢).

أدركت عظيم الفرق بين الفئتين، وتباين الصورتين وتفاوت المنزلتين- ولكن ينبغي أن تعلم- يا أخا الإسلام- أن فضل الله واقعٌ ونعمته حاصلة لأهل الإيمان في الحياة الدنيا، قبل بلوغهم ما وعدوا به في الآخرة .. وآية الجاثية تقرر هذا وتؤكده والله يقول: {أمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (٢١) وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ


(١) رواه مسلم.
(٢) سورة فاطر، الآيتان: ٣٦، ٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>