للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإيمان والبلوى {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٨٣) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} (١).

أخوة الإيمان هنا أتوقف عند ذكر الرحمة في هذه الآية إثر ما ابتلى الله به نبيه أيوب عليه السلام، حتى امتدحه الله بالصبر عليها في آية أخرى فقال: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} (٢).

وأقول إن القلة من الناس من يرى رحمة الله بعباده من خلال ابتلائهم بأنواع البلوى، ولذا قال العارفون: إن من تمام رحمة أرحم الراحمين تسليط أنواع البلاء على العبد فإنه أعلم بمصلحته، فابتلاؤه له وامتحانه ومنعُه من كثير من أغراضه وشهواته من رحمته به، ولكن العبدَ لجهله وظلمه يتهمُّ ربَّه بابتلائه، ولا يعلم إحسانه إليه بابتلائه وامتحانه وقد جاء في الأثر: أن المُبتلى إذا دُعي له: اللهم ارحمه يقول الله سبحانه: كيف أرحمه من شيء به أرحمه؟

وفي أثر آخر: إن الله إذا أحب عبده حماه الدنيا وطيباتها وشهواتها، كما يحمي أحدُكم مريضه.

فهذا من تمام رحمته به، لا من بخله عليه.

ومن رحمته سبحانه بعباده ابتلاؤهم بالأوامر والنواهي رحمةً وحميةً، لا حاجة منه إليهم بما أمرهم به، فهو الغني الحميد، ولا بخلًا منه عليهم بما نهاهم عنه فهو الجوادُ الكريم، ومن رحمته أن نغَّص عليهم الدنيا وكدَّرها لئلا يسكنوا إليها، ولا يطمئنوا إليها ويرغبوا في النعيم المقيم في داره وجواره، فساقهم إلى


(١) سورة الأنبياء، الآيتان: ٨٣، ٨٤.
(٢) سورة ص، الآية: ٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>