للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك بسياط الابتلاء والامتحان فمنعهم ليعظهم وابتلاهم ليعافيهم، وأماتهم ليحييهم ومن رحمته بهم أن حذرهم نفسه لئلا يغتروا به، فيعاملوه بما لا تحسن معاملته به، كما قال تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ} كما قال غير واحدٍ من السلف «من رأفته بالعباد حذرهم من نفسه لئلا يغتروا به» (١).

أيها المسلمون ألا إن الذين يشهدون هذه المشاهد ويشعرون بهذه المشاعر هم المؤمنون حقًا، فهم يأنسون بذكر الله، ويشكرون أنعمه، ويصبرون محتسبين على أقداره وأولئك أهلُ الإيمان، وأصحاب الطمأنينة، وعنهم قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (٢).

اللهم اجعلنا منهم بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين.

أما غيرهم فيتأفف لكل نازلة، ويضيق بأي بلوى تصيبه إعراضه عن الله دائم، ونعم الله عليه تتوالى، فلا هو على النعم شكر، ولا عن التضجر عن مصائب الدنيا ازدجر، أولئك يعيشون حياة الضنك في الدنيا، ويحشرون يوم القيامة على وجوههم عميًا {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (١٢٤) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا (١٢٥) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى} (٣).

وعلى قدر البعد عن الله ونسيان آياته، والإعراض عن ذكره يكون الضنك في الدنيا، والعذاب في الآخرة.

يا أهل الإيمان اعرفوا ربَّكم- بأسمائه وصفاته- حق المعرفة، وقدروا نعمة


(١) ابن القيم، إغاثة اللهفان ٢/ ٢٥٢، ٢٥٣.
(٢) سورة الرعد، آية: ٢٨.
(٣) سورة طه، الآيات: ١٢٤ - ١٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>