للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأقدار الله على العبد، وفي الحديث الحسن الذي أخرجه الطبراني عن أبي الدرداء مرفوعًا: «إن العبد لا يبلغ حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه» (١).

وكيف يجزع المرءُ ويتسخط من شيء قد كتبه الله عليه سلفًا وهو في بطن أمه، ولكن الإيمان بالقضاء والقدر لا يتعارض مع فعل الأسباب المشروعة ولا ينبغي أن يقعد بالإنسان عن العمل. فهذه كذلك من أقدار الله والعبدُ مأمورٌ بفعلها، ولهذا فحين سأل الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فائدة العمل مع تقدم القدر أجابهم بقوله: «اعملوا فكل ميسر لما خلق له» فقد أخرج البخاري في صحيحه عن علي رضي الله عنه قال: كنا جلوسًا مع النبي صلى الله عليه وسلم ومعه عودٌ ينكتُ به في الأرض فنكس وقال: «ما منكم من أحد إلا قد كُتب مقعده من النار أو من الجنة»، فقال رجلٌ من القوم: ألا نتكل يا رسول الله؟ قال: «لا، اعملوا فكل ميسر»، ثم قرأ {فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى} الآية (٢).

وفي هذا الحديث وأمثاله ردٌّ على شُبه القدرية الذين يتعلقون بالقدر ويتركون العمل، أو الجبرية الذي يقولون أن الإنسان مجبر على ما يقوم به ولا خيار له ولا مشيئة، ومذهب أهل السنة والجماعة أن كلَّ ما تحدث في الوجود بقضاء الله وقدره، ولكنهم يثبتون للعبد مشيئةً وإرادة بها يتجه للخير أو للشر، ولكنها لا تخرج عن مشيئة الله كما قال تعالى: {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاَّ أَن يَشَاءُ اللَّهُ}.

وخلاصة هذه النظرة عبَّر عنها العلماء بقولهم: «إن الله أمرنا بالعمل فوجب علينا الامتثال، وغيَّب عنا المقادير لقيام الحجة، ونصب الأعمال علامةً على ما


(١) الفتح ١١/ ٤٩٠.
(٢) ح ٦٦٠٥، الفتح ١١/ ٤٩٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>