للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أيها المسلمون إذا كانت الحيرةُ والشكُّ والضلالُ عذابًا وجحيمًا لا يطاق في الدنيا، والآثارُ في الآخرة أشدُّ وأبقى، فإن الإيمان واليقين سبيلٌ للسعادة في الآخرة والأولى {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} (١). {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} (٢)، {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا} (٣).

محالٌ أن يجدَ السعادة أصحاب الخنى والغناء، والكؤوس المحرمة، وأهلُ الريب والرذيلةِ والمعاصي مهما أوتوا من حظوظ الدنيا، إن لم يهتدوا ويتوبوا، ذلكم لأن ذلَّ المعصية يحيط بهم يقعد بهم عن السعادة الحقيقية: «إنهم وإن طقطقت بهم البغال وهملجت بهم البراذينُ، إن ذلَّ المعصية لا يفارق قلوبَهم، أبى الله إلا أن يذل من عصاه» (٤).

وإذا أفلس من السعادة أرباب الأموالِ العظيمةِ والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة، وقارن نموذجٌ للانتكاسة والشقوة، ولم يمنعه مالُه، وقد أتاه اللهُ من الكنوز ما إن مفاتيحه لتنوء بالعصبة أولو القوة فقد خسف اللهُ به وبداره الأرض فهو يتجلجل بها إلى يوم القيامة.

إذًا أفلس هؤلاء ووجد السعادةَ وحققها بكل معانيها من اتصلوا بالله وأطاعوه، ولو كان نصيبُهم من العيش كفافًا، ولو كان فرشهُم حصيرًا يبقى لها بعد النوم في الجنوب أثرٌ.


(١) سورة مريم، آية: ٩٦.
(٢) سورة الأنعام، آية: ٨٢.
(٣) سورة طه، آية: ١١٢.
(٤) كذاقال الحسن البصري يرحمه الله (ابن القيم، الداء والدواء ص ١١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>