والعلمُ الشرعي بابٌ واسعٌ للسعادة وأهلُه أشرحُ الناسِ صدرًا، وأوسعُهم قلوبًا، وأحسنُهم أخلاقًا، وأطيبُهم عيشًا، أما الجهلُ فهو يورثُ الضيقَ والحصرَ والحبس وصدق الله «قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون».
أيها المسلمون: من أسباب السعادة أيضًا دوام ذكرِ اللهِ على كل حال، فبذكر اللهِ تطمئن القلوب، وتورث الغفلةُ ألوانًا من الضيق والعذاب، وهي طريقٌ إلى موت القلوب «ومثل الذي يذكر اللهَ والذي لا يذكره كمثل الحي والميت» ومصيبة أن يُميتَ الإنسانُ نفسهَ وهو يعدُ في عداد الأحياء؟
وأعظمُ ممن ذلك أن يرضى المرءُ بقرين الشيطان عوضًا عن الأُنس بالله، والله يقول:{وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ}(١).
ونفعُ الخلقِ والإحسان إليهم بالمال أو الجاه أو البدن كلُّ ذلك يورث السعادة، فإن المحسنين الكرماءَ أشرحُ الناسِ صدرًا وأطيبُهم نفسًا، وأنعمُهم قلبًا، أما البخلاءُ فهم أضيقُ الناسِ صدرًا وأنكدُهم عيشًا ..
عباد الله، إذا أورث الكرمُ السعادةَ وانشراحَ الصدر، فكذلك الشجاعةُ تورث السعادةَ، فالشجاعُ منشرحُ الصدر، واسعُ البطان، متسعٌ القلب، والجبانُ أضيقُ الناس صدرًا وأحصرهم قلبًا.
أيها المؤمنون إن لَّذة الحياةِ وجمالَها وقمةَ السعادةِ وكمالَها لا تكونُ إلا في طاعةِ الله، ومهما ابتُغيت السعادةُ بغير ذلك فهي وهمٌ زائف، وما أهون الحياةَ الدنيا على الله وقد حكم على متاعِها بالقلة مهما تكاثر أو تطاول في أعين الجاهلية «قل متاعُ الدنيا قليل» وتأمل هوانَها على الله في قوله: {وَلَوْلا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا