للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هؤلاء الصفوة، وكيف خرجوا منها سالمين منتصرين، وفي قصَصِهم عبرة، وفي حياتهم وجهادهم أسوةٌ للمسلمين.

أخوةَ الإيمان وفي السنة الخامسة لبعثة محمد صلى الله عليه وسلم جُنَّ جنون قريشٍ لظهورِ الإيمان وكثرةِ الداخلين في الإسلام، واشتدَّ أذاها على محمدٍ صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، وما من وسيلة ترى فيها حربًا للإسلام وتقليلًا من شأن المسلمين إلا واستخدمها -وليس هذا موطنَ التفصيل فيها- وتحدثُنا كتبُ السير أنها استخدمت فيما استخدمت -سلاح القبيلة- أسلوبًا في النكالِ بالمسلمين يقول الإمامُ الزهريُّ يرحمه الله: فلما كثر المسلمون وظهر الإيمان فتحدثَ به ثار المشركون من كفار قريش بمن آمن من قبائلهم يعذبونهم ويسجنونهم وأرادوا فتنتهم عن دينهم، فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للذين آمنوا به تفرقوا في الأرض، قالوا: فأين نذهبُ يا رسول الله؟ قال: هاهنا وأشار بيده إلى أرض الحبشة (١).

أيها المسلمون لقد كانت هجرةُ الحبشة فرارًا بالدين، كانت صعبةً على المهاجرين، وفي حوارٍ جرى بين أميرِ المؤمنين عمرَ بنِ الخطاب رضي الله عنه وبين إحدى المهاجرات إلى الحبشة تتضح صورةُ المعاناة وألمُ الغربة، فقد روى البخاريُّ في صحيحه أن أسماءَ بنتَ عميسٍ رضي الله عنها وكانت إحدى المهاجرات دخلت على حفصةَ زوج النبي صلى الله عليه وسلم بعد قدومهم من الحبشة، فدخل عمرُ على حفصة وأسماءُ عندها فقال عمرُ لأسماء: سبقناكم بالهجرة -يعني إلى المدينة- فنحن أحقُّ برسول الله صلى الله عليه وسلم منكم، فغضبت أسماء وقالت: كلا والله، كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يُطعم جائعكم ويعظُ جاهلكم، وكنا في دارِ أو في أرضِ البُعداء البغضاء بالحبشة، وذلك في الله وفي رسوله صلى الله عليه وسلم .. الحديث (٢).


(١) المغازي للزهري ص ٩٦، الطبقات لابن سعد ١/ ٢٠٣.
(٢) الفتح ٧/ ٤٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>