وكيف لا تكون الهجرةُ صعبةً عليهم وهم يهاجرون إلى أرض لم يألفوها، لغةُ الأحباشِ غير لغتهم، وعوائدُهم تختلف عن عوائدهم، ودينُهم غير دينهم، وشوقُ الأهلِ وحنينُ الديار وغربةُ المقامِ كلُّ هذه وتلك تشكل ضغطًا نفسيًا عليهم، ولكن الأمنَ من الفتنةِ في الدين، والسلامةَ من أذى المشركين، والرغبة في نشرِ هذا الدين تُخفف من آلام غربتهم، وتحفزهم على البقاءِ في أرض البُعداءِ البغضاء.
أيها المسلمون وبرغم ارتياح المهاجرين بالحبشة وطمأنينتهم وفي ظروف الفتنِ تروجُ الشائعات، ولم يطلْ مكثُ المسلمين بالحبشية حتى بلغهم أن قريشًا قد أسلمت، فرجعت طائفةٌ منهم إلى مكة .. ولكنهم أدركوا حين اقتربوا من مكةَ أن الخبرَ كاذب وأن قريشًا أشدُّ في أذاها بعد هجرتهم، ولم يستطع أحدٌ من هؤلاء العائدين من الحبشة أن يدخل مكة إلا بإجارة- أو كفالة- أحدِ المشركين، ومن بين هؤلاء عثمانُ بن مظعون رضي الله عنه الذي دخل في جوار الوليد بن المغيرة، فلما رأى إيذاءَ المشركين للمسلمين- وهو آمنٌ- ردَّ على الوليدِ جوارَه ولم تطب نفسه أن يرى المسلمين يعذبون وهو آمن.
وبينما هم في مجلس لقريش، وفَد عليهم لبيدُ بنُ ربيعة قبل إسلامه فقعد يُنشدهم من شعره فقال: