للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأخبر سبحانه أن الشكر هو الغاية من خلقه وأمره، بل هو الغاية التي خلق عبيده لأجلها {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (١).

وإذا كان الشكرُ غاية الخلق، فهو غاية إرسال رسوله {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (١٥١) فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ} (٢). كيف لا وقد أثنى اللهُ على أول رسول بعثه إلى أهل الأرض بالشكر فقال عن نوح عليه السلام {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا}.

قال ابن القيم: وفي تخصيص نوح هاهنا بالذكر، وخطاب العباد بأنهم ذريته إشارة إلى الاقتداء به، فإنه أبوهم الثاني، فإن الله لم يجعل للخلق بعد الغرق نسلًا إلا من ذريته كما قال تعالى: {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمْ الْبَاقِينَ} (٣)، فأمر الذرية أن يتشبهوا بأبيهم في الشكر فإنه كان عبدًا شكورًا (٤).

عباد الله كم من آية في كتاب الله عن الشكر نمرُّ عليها ونحن غافلون، فهل عقلنا إنما يعبد الله من شكره {وَاشْكُرُوا لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} (٥). وهل علمنا أن أول وصية وصى الله بها الإنسان بعد ما عقل عنه بالشكر له وللوالدين {وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} (٦).


(١) سورة النحل، آية: ٧٨.
(٢) سورة البقرة، الآيتان: ١٥١، ١٥٢. عدة الصابرين ١٩٠.
(٣) سورة الصافات، آية: ٧٧.
(٤) عدة الصابرين ١٨٩.
(٥) سورة البقرة، آية: ١٧٢.
(٦) سورة لقمان، آية: ١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>