للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحمد، وبالجوارح لاستعماله في طاعة المشكور وكفِّها عن معاصيه، على حدِّ قول الشاعر:

أفادتكم النعماءُ منِّي ثلاثةً ... يدي ولساني والضمير المحجبا

وهذا يُصحح الفهم عند بعض الناس حين يظنون أن الشكر مجردُ حديث اللسان، فهذا مع أهميته فلابد من صدق القلب ومحبته لمن يشكره وخوفه من عقابه والجوارح تصدق هذا أو تكذبه.

يُروى أن وفدًا قدم على عمر بن عبد العزيز يرحمه الله، فقام شابٌ ليتكلم، فقال عمر: الكبر الكبر، فقال: يا أمير المؤمنين، لو كان الأمر بالسِّن لكان في المسلمين من هو أسنُّ منك، فقال تكلم، فقال: لسنا وفدُ الرغبة، ولا وفدُ الرهبة، أما الرغبة فقد أوصلها إلينا فضلك، وأما الرهبة فقد آمننا منها عدلك، وإنما نحن وفد الشكر، جئنا نشكرك باللسان وننصرف، قال الغزالي: فهذه هي أصول معاني الشكر المحيطة بمجموع حقيقته (١).

نعم إخوة الإيمان إن مجرد الثناء باللسان شكرٌ، وهو وإن كان وحده لا يكفي، والفرق كبيرٌ بينه وبين التشكي والتضجر وإظهار الحزن دائمًا، فهذا ازدراء لنعم الله ولذا كان من هدي السلف أنهم كانوا يتساءلون كلما التقوا- ولو كان العهدُ قريبًا- وذلك لإظهار نعمة الشكر، قال ابن عمر رضي الله عنهما: «لعلنا نلتقي في اليوم مرارًا يسأل بعضُنا عن بعض، ولم يرد بذلك إلا ليحمد الله عز وجل» (٢).

وهذه لطيفة حمالٍ فاعقلوها، رأى بكرُ بن عبد الله المزني حمالًا عليه حَمْله وهو يقول: الحمد لله، أستغفر الله، قال: فانتظرته حتى وضع ما على ظهره


(١) الإحياء ٢٢٠٨، ٢٢٠٩.
(٢) عدة الصابرين ٢٠٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>