لقد بلغ الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه هزيمةُ المسلمين في وقعة الجِسْرِ التي قُتل فيها خلق من المسلمين وفي مقدمتهم قائدهم أبو عبيد رحمهم الله جميعًا ورضي عنهم، كما بلغ الخليفة- أيضًا- انتظام شمل الفرس تحت قيادة يزدجرد، ونقض أهل الذمة بالعراق عهودهم، وإيذاء المؤمنين وإخراج العمال من بين أظهرهم .. وبلغت الغضبة العمرية لله مداها، وقرر الخروج بنفسه غازيًا للفرس في العراق، ولو كان يدير أمور الأمة كلها ومع أنه ركب ونزل على ماءٍ يُقال له صرار، واستصحب معه عثمان وسادات الصحابة، واستخلف عليًا على المدينة .. إلا أن بعض المسلمين أشار عليه أن يبعث غيره وأن يعود هو إلى المدينة، وفي هذا يقول عبد الرحمن بن عوف: إني أخشى إن كُسرت أن يضعف المسلمون في سائر أقطار الأرض .. فيرعوي عمر للمصلحة الكبرى ويقتنع المسلمون بمشورة ابن عوف رضي الله عنهم أجمعين، ويُنتدب لهذه المهمة العظيمة الأسد في براثنه - كما قال المشير ابن عوف: سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه مع سابقة سعدٍ وشريف نسبه، وصدق جهاده وبلائه، فقد أوصاه عمرُ وذكره الله قائلًا: يا سعد لا يغرنك من الله أن قيل خالُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه، فإن الله لا يمحو السيئ بالسيئ ولكن يمحو السيئ بالحسن، وإن الله ليس بينه وبين أحدٍ نسبٌ إلا بطاعته، فالناس شريفهم ووضيعهم في ذات الله سواء، والله ربُّهم وهم عباده، يتفاضلون بالعافية، ويدركون ما عنده بالطاعة، فانظر الأمر الذي رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ بُعث إلى أن فارقنا عليه فالزمه، فإنه الأمر» (١).
ألا ما أعظمه من تجرد .. وأصدقها من نصيحة، وأصعبها من مهمة يستجيب سعدٌ للمهمة وهو يرى أنه سهم من سهام الإسلام مستعدٌ لأن يُرمى به في أي نحرِ من نحور الأعداء، ويقود المعركة العظيمة وإن بقي متكئًا على صدره فوق وسادة