للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يستطيع الركوب ولا الجلوس، فقد أصيب بمرض عرق النساء، وأصاب جسده دمامل في فخذيه وإليته.

عباد الله إذا صدق القادة والأمراء انسحب ذلك على الجند وإن كانوا من أولي الأعذار والضعفاء، أوليس الأعمى من أولي الضرر الذين استثناهم الله في قوله: {لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} (١). مع ذلك أثبتت القادسية بطولاتٍ لرجالٍ كانوا من أولي الضرر قلَّ أن يجود الزمانُ بمثلها.

قال أنس بن مالك رضي الله عنه رأيت يوم القادسية عبد الله بن أمِّ مكتوم رضي الله عنه وعليه درعٌ يجزُّ أطرافها، وبيده راية سوداءُ، فقيل له: أليس قد أنزل الله عُذرك؟ قال: بلى، ولكني أُكَثِّر سواد المسلمين بنفسي» (٢). وهو الذي كان يقول: ادفعوا إلي اللواء فإني أعمى لا أستطيع أن أفر، وأقيموني بين الصفين» (٣).

يُقال إنه استشهد يوم القادسية (٤) رضي الله عنه وأرضاه.

أمة الإسلام إذا قام أهل الأعذار بما أعفاهم اللهُ من القيام به، أفيليق بالأسوياء الأقوياء أن يفرطوا بما أوجب الله عليهم من تكاليف هذا الدين؟

ألا إنها الهممُ العالية لا ترضى بأصحابها دون أعالي الجنان وسيطرة الهوى والشهوة يوردان المرءَ موارد الردى.

أيها المسلمون وثمة مواقف وعبرُ تلفت نظر المتأمل في هذه الوقعةِ العظيمة،


(١) سورة النساء، آية: ٩٥.
(٢) تفسير القرطبي ٤/ ٢٦٦.
(٣) سير أعلام النبلاء ١/ ٣٦٤.
(٤) السوابق ١/ ٣٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>