للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما أولانا بالاستفادة منها فهل من مُدَّكر؟ وتحمل لنا الروايات التاريخية أنه كان عند سعدٍ في قصره رجلٌ مسجونٌ على الشراب، كان قد حُدَّ فيه مراتٍ متعددة .. فأمر به سعد فقيد وأودع في القصر، فلما رأى الخيول تجول حول حِمى القصر، وكان من الشجعان الأبطال قال:

كفى حزنًا أن تدحم الخيل بالفتى ... وأترك مشدودًا عليَّ وثاقيا

إذا قمتُ عناني الحديد وغُلِّقت ... مصاريع من دوني تُصِم المناديا

وقد كنت ذا مالٍ كثيرٍ وإخوةٍ ... وقد تركوني مفردًا لا أخاليا

ثم سأل من «زَبراء» أمِّ ولدِ سعدٍ أن تطلقه، وتعيره فرس سعد، وحلف لها أن يرجع آخر النهار، فيضع رجله في القيد، فأطلقته، وركب فرسَ سعدٍ وخرج فقاتل قتالًا شديدًا، وجعل سعدٌ ينظر إلى فرسه فيعرفها وينكرها ويُشبه الفارس بأبي محجن، ولكن يشكُّ لظنه أنه في القصر موثق، فلما كان آخر النهار رجع (الفارسُ الموثق) من رحلة الجهاد فوضع رجله في قيدها- وفاءً بالعهد ونزل سعدٌ فوجد فرسه يعرق، فقال: ما هذا؟ فذكروا له قصة أبي محجن، فرضي عنه وأطلقه رضي الله عنهما» (١).

أيها المؤمنون .. وليست الخطيئة ضربة لازبٍ لا يستطيع المخطئ الفكاك عنها، وليس المخطئون عناصر فاسدة في المجتمع لا يمكن الاستفادة من طاقاتهم، ولا يُقال عثراتهم كلا، وليس يُكتب على المرء- في ظل شريعة الإسلام- الشقاوة أبد الدهر إن هو قصَّر يومًا أو استزله الشيطان وحثه فعمل محظورًا، فالخطيئة تُداوى بالتوبة، والسيئة تمحوها الحسنة بعدها، ومن مراغمة الشيطان عدم الاستسلام لنزغاته حين مقارنة الذنب، أو توهينه وتيئيسه بعد


(١) البداية والنهاية ٧/ ٤٩، ٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>