للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المكية، فلماذا كان الحديث عنهم في مكة ولم يكن لهم بها شأن يذكر، وقد شغل المسلمون بأذى كفار قريش وعداوتهم، ومع ذلك جاء الحديث عن معتقداتهم ومواقفهم مع أنبيائهم كما في سورتي الأعراف وطه المكيتين؟

لو كان الأمر متروكًا للاجتهاد البشري لقيل أن الأولى عدم التعرض لليهود في المرحلة المكية، لعدم كثرة اليهود في مكة، وعدم الاحتكاك مع المسلمين، ولا داعي لفتح هذه الجبهة والجبهة قائمة لمجابهة المشركين، خاصة وأن المسلمين كانوا مستضعفين في مكة يخافون أن يتخطفهم الناس من حولهم؟

أما وإن الوحي إلهي، والتخطيط للمعركة وتحديد الجبهات رباني، فلا شك أنها لحكمة عظيمة وغايات كبيرة، ولعل من أبرز هذه الحكم أن تعلم الأجيال الإسلامية اللاحقة من آيات الكتاب الحكيم أن معركة المسلمين مع اليهود معركة مستمرة بغض النظر عن المواقع التي يحتلها كل من الطرفين قوةً وضعفًا.

إخوة الإيمان وتأملوا في قوله تعالى {وأعدوا لهم ها استطعتم من قوة}، والآيات قبلها وبعدها ولعله من اللطائف القرآنية الدقيقة أن يأتي الأمر بإعداد القوة لإدخال الرعب والرهبة إلى قلوب الأعداء في سياق الحديث عن المعاهدات ونقض اليهود لها في كل مرة، فإن المعاهدة ليست سوى حبر على ورق لا أثر لها في الواقع إن لم تكن مدعمةً بالقوة التي ترتعد لها فرائص العدو، كلما فكر في نقضها أو إبطال مفعولها، وبعد الأمر بإعداد القوة الرهيبة يأتي الحديث عن السلم لأن السلم إن لم يكن من موطن القوة والعزة فهو تنازل للعدو وخضوع لشروطه فيكون استسلامًا لا سلامًا.

اقرأ ذلك كله في قوله تعالى {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون وإن جنحوا للسلم

<<  <  ج: ص:  >  >>