فمكةُ تضيق بدعوته، وقريش تتابعه حتى تخرجَه من أرضه وأهلهِ وعشيرته، وأهل الطائفِ يغرون به السفهاءَ، ويستهزئ به الكبراءُ، تُدمى عقباه الشريفتان ويزيدُ من إيلامهِ أن الناسَ يرفضون هديَ السماء، فيخرجُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم مهمومًا على وجهه ولم يستفق إلا بقرن الثعالب وما عساه أن يَجدَ بمكة بعد أن تُوفيت زوجه أمُّ المؤمنين خديجةُ رضي الله عنها نعم الصاحبُ والمؤنس وزيرة الصدق في الإسلام يسكن إليها عند الشدائدُ كما توفي عمُّه أبو طالب الذي سخره اللهُ لحمايته رغم كفره وبقائه حتى الممات على دين قومِه، ولا غرو أن يهتم الرسولُ صلى الله عليه وسلم ويحزن لموتِ هذين الركنين .. ولا غرابةَ أن تشتدَ قريشٌ في أذاها بعد انفراده عنهما ..
ولكن المحن النازلةَ على الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم لا تَدلُّ بحالٍ عن تخلي الله عنه- وهل يتَخَلى اللهُ عن أوليائِه وقت الشدائد-؟
وإنما هي السنةُ الربانيةُ تمضي على الأنبياء ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين .. تبدأ المحنُ ثم تشتد ويعلمُ الله الصادقين من الكاذبين، ثم تكون العاقبةُ للمتقينَ.
عبادَ الله! والمتأمل في أحداث السيرةِ النبوية يرى كيف يكون الفرجُ بعد الشدة، وكيف يكون النصرُ بعد الصبر، وفي حادثةِ الإسراء والمعراج وقفاتٌ تستحق التأملَ والاعتبار .. وما أعظمَ السيرةَ حين تُرى بهذا المنظار أجل إن حادثة الإسراء والمعراج وقعت لتؤكد أن المستقبل لهذا الدينِ المطاردِ في السهولِ والوهاد، وأن الإمامةَ العظمى-وعلى سائر الأنبياء- لمحمد صلى الله عليه وسلم، وإن بلغ به الأذى والسخريةُ كلَّ مبلغ.
لقد أبانت حادثةُ الإسراءِ والمعراج أن الأرضَ إذا ضاقت في وقتٍ فإن السماءَ