وقد كان من الأمور المتحتمة لتحقيق النبوءة النبوية أن يتفاقم أمر اليهود على المسلمين، وأن يتحقق لهم بعض الظفر الصوري في عدة معارك، وذلك لأمرين: أحدهما: عقوبة المسلمين على انحرافهم عن صراط الله في عقيدتهم وعملهم وتأديبهم حتى يراجعوا دينهم ويصلحوا أعمالهم ويطهروا صفوفهم من أعدائهم ... ثانيهما: تيسير السبل أمام أكبر قدر من اليهود المقضي عليهم بحلول نقمة الله، وذلك بإغراءات الظفر المؤقت ليهاجروا إلى موطن المعركة القادمة، حتى يلاقوا مصيرهم المنتظر، الذي هو قادم لا محالة بإذن الله تحقيقًا من الله لنبوءة رسوله، ولا بد مع ذلك أن تجري الأحداث وفق سنن الله الدائمة في كونه.
ولكن لن يكتب الظفر الموعود به على لسان الرسول صلوات الله عليه ما دامت الأمة الموعودة به تسير في متعرجات مظلمة من الطرق، بعيدة عن صراط الإسلام في مفاهيمها الاعتقادية، وأنظمتها الاجتماعية، وسلوكها المجافي لتعاليم الإسلام، والعدو يعرف هذا فلا يزال همه أن يبعد الشعوب الإسلامية عن عقائد الإسلام وتطبيقاته، ليطيل أمد بقائه.
ووعد الرسول بالنصر لم يكن لقوم ضد قوم، ولا لعنصر ضد عنصر، ولا لإلحاد ضد دين محرف مزيف، ولكنه وعد للمسلمين ولن يتحقق هذا الوعد لمن لبسوا صفة أخرى غير صفة الإسلام، ولن يكون هذا الظفر ظفر معركة فحسب، ولكنه ظفر شامل، ينكشف اليهود فيه داخل معظم مخابئهم، حتى تنزل فيهم عقوبة الله على أيدي المسلمين الصادقين، ولن يفلت منهم إلا قليل قليل، تقدر نسبته بنسبة شجر الغرقد إلى سائر الأشجار والمخابئ والحصون.